عمر بن الخطاب
هو ثاني الخلفاء الراشدين، الفاروق الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم"و الذي نفس بمحمد بيده ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًا إلا سلك فجًا غير فجك". و قال عنه كسرى "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر ". هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. الذي صدقه القرآن في أكثر من موقف سنتعرض له في حديثنا اليوم.
اسمه
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح، من بني عدي بن كعب إحدى عشائر قريش. وأمه حنتمة بنت هاشم المخزومية، ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة
صفته
كان عمر بن الخطاب طويل القامة، ضخم الجسم، كثير شعر البدن، وقد انحسر شعره عن جانبي رأسه، أبيض البشرة، شديد الحمرة، يخضب شيبه بالحناء، له ارب كثيف، أعسر يسر -وهو الذي يعمل بيديه جميعًا
عمر قبل الاسلام
وُلد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في مكة المكرمة، وترعرع في كنف قبيلته بني عدي، وعاش في طفولته حياة الفقر والعوز، وشدة الحياة، وقسوتها، عمل في رعي الإبل، مما ترك أثراً كبيراً في شخصيته،فكان خشنًا حادًا و أكثر مقاومة للصعاب، وأشد تحملًا للمسؤولية، وأبعد عن حب الراحة والترف، و في شبابه عاش عمر -رضي الله عنه- بمكة كسائر فتيان قريش يدين بالوثنية، ويشرب الخمر كما يشربون، حيث إنّ شُرب الخمر كان متأصّل في قلوب العرب في ذلك الوقت، وكان عمر من أشربهم لها، فقد رُوي عنه أنه قال: (وإني كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية)، ثم ترك الرعي و عمل بالتجارة، واستطاع أن يجمع ثروة ضخمة، و و قد كان لقوة شخصيته، ورجاحة عقله، ومكانة والده وجدّه الرفيعة في قريش دورًا في جعله سفيرًا لقريش و مبعوثًا باسمها للقبائل التي كانت تحاربها و تبوءه مكانة رفيعة في القبيلة.
موقفه من الدعوة المحمدية
ولما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدعوة التوحيد كان عمر بن الخطاب من المقاومين لها، وكان يعذّب ويضطهد من أسلم من بني عدي، حتى أقرب الناس إليه نالوا نصيباً من هذا الاضطهاد، ومنهم أخته فاطمة بنت الخطاب، وزوجها سعيد بن زيد رضي الله عنهما، وقد رُوي أنه كان يُعذّب جارية بني المؤمل، وهم حي من بني عدي، حيث كان يضربها حتى يشعر بالملل، ثم يقول لها: (إني أعتذر إليك، إني لم أتركك إلا ملالة)، وبقيت على هذا الحال إلى أن اشتراها أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وأعتقها
قصة إسلام عمر بن الخطاب
كان عمر بن الخطاب قد بلغ الثلاثين من عمره وقت المبعث النبوي و كان شديدًا على المسلمين، حارب الدعوة بضراوة حتي قال فيه عامر بن ربيعة "لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب". شعر عمر بخطورة الدعوة الجديدة على نفسه و مكانته في قريش و ذلك بعد ما علم بما فعله حمزة بن عبدالمطلب في ابي جهل فقرر قتل النبي و لم يخبر أحد بل خرج من بيته قاصدًا النبي صلى الله عليه وسلم لقتله فقابله نعيم بن عبدالله و كان مسلم يكتم اسلامه فلما تبين الشر على وجه عمر استوقفه و سأله عن وجهته فأخبره عمر بن الخطاب أنه قاصدَا النبي لقتله فنزل الخبر كالنازلة على نُعيم بن عبدالله و لم يدري ما يفعل ليرد عمر عن النبي الا ان قال له أن بني عبد مناف لن يتركوه حيًا إن فعل ثم ألقى بقنبلة مدوية غيرت وجهه عمر حين أخبره بإسلام أخته و زوجها. جن جنون عمر و نسي ما خرج لأجله و قصد بيت اخته لا يلوي على شيئ. ذهب عمر إلى بيت اخته و كان عندهم عندهم الخباب بن الأرت الذي ما ان سمع صوت عمر الجهوري حتى توارى خوفًا من بطشة. فلما دخل عمر قال لإبن عمه و زوج اخته سعيد بن زيد انه قد علم بإسلامهما ثم انقض عليه يفتك به فتصدت له فاطمة اخته فلطمها لطمة تفجرت الدماء على أثرها من وجهها و هنا وقف سعيد بتصدى لعمر و يقول له نعم اسملنا و أصنع ما شئت و إذا بأخته فاطمة و الدماء على وجهها تقول و قد كان ذلك رغم انف عمر. و هنا تزلزل بأس عمر و ناخت قوته و أنتبه على رؤية وجهه أخته المدرج بالدماء فشعر بالحياء و الضعف و جلس و طلب منهم أن يرى المصحف فقالت له أخته ان عليه ان يغتسل قبل ان يلمسه و بعد اغتساله أمسك المصحف و قرأ "طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلًا ممن خلق الأرض و السموات العلى الرحمن على العرش استوى" و منذ تلك اللحظة تبدل حال عمر و انشرح صدره للإسلام و خرج من دار اخته قاصدًا النبي صلى الله عليه وسلم و لكن تلك المرة ليُسلم لدعوته و يعز به الله سبحانه و تعالى الإسلام و كانت فرحة النبي بإسلامه لا توصف حيث كبر و قال الله اكبر الله اكبر الذي صنع هذه المعجزة.
قصة توليه الخلافة
كان عمر بن الخطاب المساعد الأول لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصدِّيق وساعده الأيمن ومستشاره الأساسي طوال خلافته، فكان مستشاره العسكري الأبرز الذي ساعده في حروبه، لا سيّما حروب الردة. وقد قال أبو بكر الصديق مرة: "ما على ظهر الأرض رجل أحبّ إليَّ من عمر". و كان أبو بكر يستشير عمر في تعيين القادة العسكريين وعزلهم. فقد ولَّى أبو بكر مثلاً خلال فتح الشام الصحابيَّ سعيد بن العاص الأموي على الجيش الفاتح، غير أنه عزله بعدها قبل أن يبدأ السير، نظراً لاعتراض عمر الشديد عليه. كما كان عمر عوناً كبيراً له في وضع خططه العسكرية والاستراتيجية.
و قد ذكر أبو الفرج بن الجوزي عن الحسن بن أبي الحسن خبر تولي عمر بن الخطاب الخلافة فقال: (لما ثقل أبو بكر واستبان له من نفسه جمع الناس إليه فقال: إنه قد نزل بي ما قد ترون ولا أظنني إلا ميت لما بي وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي وحل عنكم عقدتي، ورد عليكم أمركم، فأمروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمرتم في حياة مني كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي فقاموا في ذلك وخلوا عليه فلم تستقم لهم، فرجعوا إليه فقالوا: رأينا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيك قال: فلعلكم تختلفون قالوا: لا قال: فعليكم عهد الله على الرضى قالوا: نعم. قال فأمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده أرسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان فقال: اكتب فكتب حتى انتهى إلى الاسم فغشي عليه ثم أفاق: فقال: اكتب عمر) . و على ذلك فقد تولى الفاروق رضي الله عنه الخلافة بعهد من الصديق رضي الله عنه ولقد صدقت فراسة أبي بكر في عمر حين اجتهد في العهد بالخلافة من بعده له رضي الله عنه فلقد قام بالخلافة أتم القيام حيث كان إماماً ناصحاً لله ولرسوله ولدين الإسلام حيث كثرت في خلافته الفتوح واتسعت رقعة الدولة الإسلامية ونعمت الأمة الإسلامية بعدله رضي الله عنه ولحسن اختيار الصديق رضي الله عنه في أن يكون الفاروق هو الخليفة من بعده اعتبر من أشد الناس فراسة بسبب ذلك فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إن أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته: أكرمي مثواه، والمرأة التي رأت موسى عليه السلام فقالت لأبيها: يا أبت استأجره، وأبو بكر حين استخلف عمر رضي الله عنهما) قال الحاكم: فرضي الله عن ابن مسعود لقد أحسن في الجمع بينهم (بهذا الإسناد صحيح).
الدولة الاسلامية و الفتوحات في عهد عمر
يعدّ عمر بن الخطاب المُنفذ لفكرة الدولة الإسلاميَّة التي بدأ بإرساء قواعدها الرسول -صلى الله عليه وسلم، وحافظ على أسسها الصديق بقضائه العنيف على الردة. ولكن في أثناء حكم عمر انطلق الإسلام خارج دولة المدينة، واحتكّ بالدول العُظمى ذات الأنظمة والقوانين والإدارة، فوضع التشريعات والأنظمة التي تتلاءم مع تعاليم الإسلام، والنظم السائدة لدى الدول المغلوبة، يساعده في سلطته الدينية والسياسية المطلقة مجلسًا استشاريًا يضم أهل الشورى، ويعقد جلساته في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم،. و في عهده دوّن الدواوين، وكون جيشًا لحماية الحدود، ونظم له مرتبات ثابته ليكفل حماية الدولة، وعزل الجنود المسلمين في معسكرات خاصة، وعين على الأقاليم الإسلاميَّة قضاة يفصلون في القضايا بين الناس مستقلين عن الولاة والعمال، ورتب البريد بحيث يصل بصورة منتظمة إلى الأمكنة التي يريد أن يصل إليها ، وأنشأ نظام الحسبة، ووضع التاريخ الهجريّ، وبالإجمال فقد استحدث للدولة نظامًا إداريًا ومالًا وقضائيًا يؤمن سير العلاقات بين أفرادها سيرًا حسنًا، و قد توسعت الدولة الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب لتصل للقدس الشريف ولتشمل العراق ومصر وشمال افريقيا، وتحرّرت في خلافة عمر بن الخطاب الكثير من المناطق العربيَّة التي كانت في سيطرة الفرس والروم.
فتح الشام
عند تولي عمر بن الخطاب الخلافة طلب من الجنود متابعةَ الفتوح في الشام، وقد افتتح عهده بعزل خالد بن الوليد عن القيادة العامة للقوات العربية في الشام، وأحلَّ محله أبا عبيدة بن الجراح، وأخفى الأمر عن الجيش، وذلك في منطقة تُدعى وادي اليرموك حيث انتصر المسلمون نصرًا مؤزرًا، في معركة سُميت معركة اليرموك التي ستبقى واحدةً من المعارك الحاسمة في التاريخ، وبعد اليرموك أعُلن أبو عبيدة بن الجراح رسميَّا قائدًا للجيش وتوجه لفتح دمشق وبيت المقدس، وأقام أبو عبيدة بمرج الصفر، وهاجم منطقة فحل، وتوجه إلى دمشق وحاصروها، وتوزع قادة الجيش على أبواب دمشق، وتختلف الروايات في كيفية وقوع الفتح، وشرائطه كما اختلفوا في تاريخ الفتح، ومدة الحصار، وأغلب الظن أنَّ المدينة قد فُتحت صلحًا في قسم منها، وحربًا في قسمٍ آخر، وأنَّه فتحت مرتين، مرة قبل معركة اليرموك، ومرة بعد اليرموك كان المسلمون قد وصلوا إلى ما بعد حمص ثم اضطروا إلى التراجع حتى اليرموك.ولما تمَّ فتح دمشق، ترك أبو عبيدة يزيد بن أبي سفيان في خيله في دمشق، وتوجه مع بقيّة قيادته إلى فحل، وجعل خالد بن الوليد على المقدمة، واشتبك المسلمون مع البيزنطيين في معركة حقق فيها المسلمين نصرًا عظيمًًا، وانصرف أبو عبيدة مع خالد إلى حمص فصالح أهلها مجددًا على مثل ما صالح به أهل عبيدة زحفه فسار إالى معرة النعمان، وفتحها صُلحًا، وعهد أبو عبيدة بفتح سواحل سورية إلى عبادة بن الصامت، ففتحها عنوة، ثم افتتح انطرسوس وكانت خالية من سكانها، وافتتح جبلة عنوة.أمّا أبو عبيدة فقد سار مع جيشه الذي في مقدمته خالد بن الوليد إلى قنسرين،فانتصر المسلمون وقتلوا ميناس قائد جيش الروم، وصالح أبو عبيدة أهلها على مثل ما صالح أهل حمص، ثم دعاهم إلى الإسلام، فأسلم بعضهم وأقام بعضهم الآخر على النصرانيَّة، ورحل أبو عبيدة إلى حلب، وافتتحها صُلحًا، ومن هناك زحف إلى أنطاكيا، واشتبك مع أهلها، وألجأهم إلى المدينة، و صالحهم على الجزية، والجلاء، وما زال أبو عبيدة يفتح المدن حتى بلغ الفرات، وسيّر قواده في بعوث إلى منبج، ودلوك ورعبان وبالس، فافتتحوها صُلحًا. وتوجه المسلمون إلى فلسطين بقيادة عمرو بن العاص، فسار إلى أجنادين التي كانت فيها بقايا من الروم فحاصرهم حصارًا شديدًا وهزمهم، فهربوا إلى إيلياء، فسار وراءهم وحاصرهم، فطلب من أهلها الصلح على أن يكون المتولي لشروط الصلح عمر بن الخطاب نفسه، خوفًا من أن تتعرض كنيستهم العظمى لأعمال التخريب، فقبل عمر بن الخطاب أن يتولى هذا الشرط، ثم دخل إلى القدس، فانتهتبدخوله حقبة من عدم الاستقرار السياسي والمظالم الدينية التي مارسها أباطرة بيزنطة ضدَّ الذين خالفوهم بالمعتقد الكنيسي.
فتح العراق
فقد كتب المثنى بن حارثة إلى الخليفة عمر بن الخطاب يستحثه على انتهاز فرصة جلوس يزدجرد الثالث على العرش وكان حديث السن، للهجوم وخصوصًا بعد انتصار العرب في أجنادين، ونفَّذ الخليفة ذلك ، لكن جيش المسلمي مُنّيَّ بهزيمة مدوية وقُتل المُثنى في هذه المعركة، وأبو عبيدة بن مسعود الثقفي، فعهد الخليفة بالقيادة إلى سعد بن أبي وقاص، فقصد سعد القادسية، وانتصر في معركة القادسية الشهيرة ودحر جيوش الفرس.وأسّس سعد مدينة الكوفة، ثم توغل واستولى على الحدائق قرب دجلة، وهرب يزدجرد وجمع حوله جيشًا من جديد، وتبعه سعد وأوقع به وبجيشه وأسر إحدى بنات كسرى، وقتل عددًا كبيرًا منهم، و أعتنق الدهاقون الإسلام، فأقرهم الخليفة عمر على ما بيدهم، ورفع عنهم الجزية، فهرب يزدجرد إلى خراسان، وأرسل الخليفة عمر مجموعة من القادة ففتحت نهاوند، والأهواز وقم وقاشان وأصبهان والري وطبرستان صُلحًا، وفتحت أذربيجان عنوةً.
فتح مصر
لقد كان فتح مصر استجابة لإلحاح عمر بن العاص على الخليفة عمر بن الخطاب، فبعد أن انتهى من الشام، سار عمر بن العاص إلى مصر، وقد ساعد القبط العرب بسبب الاضطهاد الديني الذي تعرضوا له من البيزنطيين، وقد حاصر عمرو بن العاص الاسكندرية وحاصروها أربعة أشهر فصمدت بسبب متانة أسوارها إلى أن سقطت عنوةً، فجعل الخليفة أهلها أهل ذمة، وأبقى المقوقس على رئاسة قومه، لم يكتفي عمرو بن العاص بفتح الاسكندرية والوقوف في مصر، بل أراد القضاء على البيزنطيين في شمال افريقيا، فاكتسح برقة والتي كانت تُعرف بمدينة أنطابلس ، وتبعها بفتح طرابلس.
عمر بن الخطاب و بداية التقويم الهجري
كانت العرب قبل الإسلام يُؤرِّخون الأعوام ، فكانوا يقولون - عام بناء الكعبة، عام الفجار، عام الفيل، عام سيل العرم. وبعد الإسلام أصبح للمسلمين أحداثهم التي يؤرخون لها فأصبحوا يُطلِقون على كلِّ سنةٍ من السنوات اسمًا خاصًّا بهم مثل : عام الخندق، و عام الحزن، وعام الوداع. لم يزل الأمر كما ذكرنا و في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه و التوسعات ظهرت الحاجة ترتيب السنوات، فعرض الأمر على أصحاب النبي فقال لهم :" ضعوا للناس شيئًا يعرفونه" فقال بعضهم: "اكتبوا على تأريخ الروم" فقيل: "إنَّهم يكتبون من عهد ذي القرنين، فهذا يطول" وقال بعضهم: "اكتبوا على تأريخ الفرس".،فقيل: "إنَّ الفرس كلَّما قام ملك طَرَح من كان قبله"، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله بالمدينة فوجدوه عشر سنين، فكُتب التأريخ من هجرة رسول الله.
ثم ظهرت مسأله آخرى و هي اختيار شهرًا يبدأ منه التقويم. و ذكر ذلك محمد بن سيرين رحمه الله فقال: قام رجلٌ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أرِّخوا، فقال عمر رضي الله عنه: ما أرِّخوا؟ قال: شيءٌ تفعله الأعاجم، يكتبون في شهر كذا من سنة كذا، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حَسَنٌ، فأرِّخوا. فقالوا: من أيِّ الشهور نبدأ؟ فقالوا: رمضان، ثم قالوا: المحرَّم، فهو منصرف الناس من حجِّهم، وهو شهرٌ حرام، فأجمعوا على المحرم، و منه تبدأ السنة الهجرية
مصادقة رآي عمر للوحي
و قد عُرف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكاءه، و فصاحته، و علمه، و حسن رأيه حتى قال عنه النبد صل الله عليه :”جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه”.و كان من ذلك نزول الوحي في أكثر من وضع موافقًا لرأي عمر في أكثر من موضع، ومن أبرز ما جاء به القرآن الكريم موافقًا لرأيه:
مقام إبراهيم
قوله للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى: فنزلت الآية (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى )[البقرة: 125]. أخرجه الشيخان.
الحجاب
وقوله: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهنَّ البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) [الأحزاب: 53.]. أخرجه الشيخان.
واقعة معاتبة النبي لأزواجه
ذلك ان عمر لما علم بمغاضبة النبي لأزواجه و أجتماعهن عليه في الغيرة قال:" إِن انتهيتنَّ، أو ليبدِّلنَّ الله رسوله صلى الله عليه وسلم خيراً منكن" فنزلت الآيةَّ ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) [ التحريم: 5] فنزلت في ذلك. أخرجه الشيخان.
أسرى بدر
ذلك أن يوم بدر منّ الله على المسلمين بالنصر وقتل من المشركين سبعين رجلًا و أُسر سبعين رجلًا فأستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ما يفعل في الأسرى فأشار أبو بكر أن يأخذ النبي منهم الفدية و لعل الله يهديهم يشرح صدهم للإسلام، لكن عمر بن الخطاب كان له رآي آخر حيث قال:" والله ما أرى رأي أبي بكر ! ولكنِّي أرى أن تمكِّنني من فلانٍ ـ قريبٍ لعمر ـ فأضرب عنقه، وتمكِّن عليّاً من عقيلٍ، فيضرب عنقه، وتمكِّن حمزة من فلانٍ أخيه فيضرب عنقه، حتَّى يعلم الله: أنَّه ليس في قلوبنا هوادةٌ للمشركين، هؤلاء صناديدهم، وأئمتهم، وقادتهم." لكن النبي مال لرآي أبو بكر، فنزلت القرآن مصادقًا لرآي عمر {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} إِلى قوله: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال: 68] من الفداء.
قوله تبارك الله أحسن الخالقين
روي أن عمر بن الخطاب لما سمع قول الله تعالى :"ثم َّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ" فلما أنتهى إلى قوله خلقًا آخر قال تبارك الله أحسن الخالقين فنزلت :"ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين".
موقفه من الاستغفار و الصلاة على المنافقين
و ذلك أنه حين توفي عبد الله بن أُبيٍّ؛ دُعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصَّلاة عليه، فقام إِليه، فلمَّا وقف عليه يريد الصَّلاة؛ وقف عمر بن الخطاب في صدره وقال : يا رسول الله ! أعلى عدوِّ الله عبد الله بن أُبيٍّ القائل يوم كذا وكذا: كذا وكذا ـ يعدُّ أيَّامه ـ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسَّم، حتَّى أكثر عليه عمر فقال: « أخِّر عني يا عمر ! إِني خيِّرت، فاخترت، قد قيل لي: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] لو أعلم أنِّي إِن زدت على السَّبعين؛ غفر له؛ لزدتُ ». قال: ثمَّ صلَّى عليه، ومشى معه، فقام على قبره حتَّى فُرغ منه. إِلا يسيراً حتَّى نزلت هاتان الآيتان: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] لو أعلم أنِّي إِن زدت على السَّبعين؛ غفر له؛ لزدتُ ». قال: ثمَّ صلَّى عليه، ومشى معه، فقام على قبره حتَّى فُرغ منه.فما كان إِلا يسيراً حتَّى نزلت هاتان الآيتان "وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ" [التوبة: 84] إِلى اخر الآية، فما صلىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافقٍ، ولا قام على قبره حتَّى قبضه الله عزَّ وجل الله عزَّ وجل.
تحريم الخمر
و ذلك أن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل ونفر من الأنصار أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: «أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل ومسلبة للمال فأنزل الله تعالى هذه الآية. وفي تفسير السعدي أن المؤمنين سألوا رسول الله عن حكم الخمر والميسر وقد كانا مستعملين في الجاهلية وأول الإسلام فكأنه وقع فيهما إشكال ولهذا سألوا عن حكمهما فأمر الله نبيه أن يبين لهم منافعهما ومضارهما ليكون ذلك مقدمة لتحريمهما وتأكيداً لتركهما. فأخبر أن إثمهما ومضارهما وما يصدر منهما من ذهاب العقل والمال والصد عن ذكر الله والصلاة والعداوة والبغضاء أكبر مما يظنونه من نفعهما من كسب المال بالتجارة بالخمر وتحصيله بالقمار وكان هذا البيان زاجراً للنفوس عنهما. ولكن لما كانوا قد ألفوهما ويصعب عليهم تركهما من أول وهلة لم تحرم الخمر بالآية السابقة ولكنها حرمت بآية المائدة: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) آية 90 - 91»، قال الصحابة: انتهينا يا رب وكان إقلاعهم عنها عجباً فقد كانوا يشربون الخمر لعدة سنوات فلما وصل خبر التحريم عند نزول آية المائدة لفظ الشارب الذي في فمه من خمر ولم يقل: أشرب هذه ثم التزم وهذا من لطف ورحمة الله بعباده. وعن عمر أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت هذه الآية التي في البقرة (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في النساء (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)، فكان منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقام الصلاة نادى «أن لا يقربن الصلاة سكران» فدعي عمر فقرئت عليه فقال: (اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في المائدة فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ» فهل أنتم منتهون) قال عمر: انتهينا انتهينا.
الخروج لموقعة بدر
لما استشار صلى الله عليه وسلم الصحابة في الخروج إلى بدر أشار عمر بالخروج فنزلت: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ).
حادثة الإفك
لما استشار الصحابة في قصة الإفك قال عمر: من زوجكها يا رسول الله؛ قال: الله، قال: أفتظن أن ربك دلَّس عليك فيها، سبحانك هذا بهتان عظيم؟ فنزلت الآية وفيها (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ).
الصيام
ذلك أنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب بَعْدَمَا نَامَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْم وَقَعَ عَلَى أَهْله ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَشْكُو إِلَى اللَّه وَإِلَيْك الَّذِي صَنَعْت، قَالَ: وَمَا صَنَعْت؟ قَالَ: إِنِّي سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي فَوَقَعْت عَلَى أَهْلِي بَعْدَمَا نِمْت وَأَنَا أُرِيد الصَّوْم؛ فَنَزَلَ الْكِتَاب "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُمْ».
عمر و اليهودي و قولهم في جبريل
و ذلك أن يهودياً لقي عمر فقال: إن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو لنا، فقال له عمر:" مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ"فنزلت الآية.
الاحتكام للنبي .
اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى بينهما، فقال الذي قضى عليه: ردَّنا إلى عمر بن الخطاب، فأتَيا إليه فقال الرجل: قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا، فقال: ردَّنا إلى عمر، فقال: أكذاك؟ قال: نعم، فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فخرج إليهما مشتملاً على سيفه، فضرب الذي قال: ردَّنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر. فقال: يا رسول الله، قتل عمر واللهِ صاحبي، فقال: “ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن”، فأنزل الله تعالى: "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ"،فأهدر دم الرجل، وبرئ عمر من قتله.
الاستئذان
وذلك أنه دخل عليه غلامه وكان نائماً فقال: اللهم حرِّم الدخول فنزلت آية الاستئذان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ).
في آية ثلة من الاولين و ثلة من الآخرين
– لما أنزل اللّه على رسوله: (ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِين). بكى عمر رضي الله عنه فقال: يا نَبِيّ الله، آمنا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم وصدَّقناه، ومن ينجو منا قليل؟ فأنزل اللّه عز وجل: (ثلة مِنَ الأوَّلينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِين).َفدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه فقال: “قد أنزل الله عز وجلّ فيما قلت” فقال عمر رضي الله عنه: “رضينا عن ربنا وتصديق نبينا”
فضائل عمر بن الخطاب
كان رضي الله عنه قريبًا من النبي صلى الله عليه وسلم حتى انه حين سأل من أحب الناس إليك قال عائشة فسئل من الرجال فقال أبوها فسئل فمن بعده قال عمر. و قد كان عمر صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أبو السيدة حفصة أم المؤمنين. و هو من العشر المبشرين بالجنة. و لعمر فضائل جما فيما قيل عنه و ليس هناك فضل خير من شهادات النبي فيه نذكر منها :
بشره النبي صلى الله عليه وسلم بقصر في الجنة
قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ((رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشخشة فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصراً بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك، فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار؟))
شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالعلم
عن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا أنا نائم إذ رأيت قدحاً أتيت به فيه لبن فشربت منه حتى إنّي لأرى الريّ يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب. قالوا: فما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم))
شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالدين
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بينا أنا نائمٌ رأيت الناس عرضوا عليّ وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثّدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك. وعرض عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميصٌ يجتره. قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: الدين))
شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له في قوة الايمان
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إيهاً يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجّا قط إلا سلك فجّاً غير فجك))
شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالحكمة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ((لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجالٌ يكلّمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمّتي منهم أحدٌ فعمر))
أغتيال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
كان عمر رضي الله عنه رغم انه من المبشرين بالجنة إلا أنه كان يدعوا الله دائمًا أن يموت في سبيل الله و قد ذكرت أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها انها سمعت أباها يقول "اللهم ارزقني قتلاً في سبيلكَ، ووفاةً في بلد نبيِّكَ". قالت: قلتُ: وأنَّى ذلك؟ قال: "إنَّ الله يأتي بأمره أنَّى شاء" .
و قد رأى عمرًا مرة رؤيا أنُ ديكًا نقره ثلاث نقرات، و قال عن ذلك أنه يشعر بدنو أجله فما مر إلا جمعة حتى طعن علي يد لؤلؤه المجوسي.
و كان مما قيل في سبب فعلته أن عمر رضيَ الله عنه لا يأذن لسَبْيٍ بقيَ على كفره أن يدخل المدينة، أو يعمل فيها؛ حتى كتب إليه المُغِيرَة بنُ شُعْبَة رضيَ الله عنه وهو على الكوفة يذكر له غلامًا عنده صانعًا، ويستأذنه في أن يدخله المدينة، ويقول: "إن عنده أعمالاً تنفع النَّاس، إنه حدَّادٌ نقَّاشٌ نجَّارٌ"؛ فأَذِنَ له، فضرب عليه المغيرة كل شهر مائةً، فشكى إلى عمر شدَّة الخَراج، فقال له: "ما خراجكَ بكثيرٍ في جنب ما تعمل". فانصرف ساخطًا، فلبث عمرُ لياليَ، فمرَّ به العبد فقال: ألم أحدَّث أنكَ تقول: "لو أشاءُ، لصنعت رَحًى تطحن بالرِّيح". فالتفت إليه عابسًا فقال: "لأصنعنَّ لك رحًى يتحدَّث النَّاس بها". فأقبل عمر على من معه فقال: "توعَّدني العبدُ".
و كان هذا العبد هو لؤلؤه المجوسي، فلمَّا كان فجر يوم الأربعاء، قبل نهاية شهر ذي الحجَّة بأربعة أيام دخل أبو لؤلؤة المسجد ومعه سكينٌ ذات طرفَيْن مسمومةٌ، فوقف عمر يعدل الصفوف للصلاة، فلما كبَّر يصلي بالنَّاس، طعنه العبد في كتفه وفي خاصرته؛ فقال عمر:﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾
ثم أخذ المجوسي يسعى، لا يمرُّ على أحدٍ يمينًا ولا شمالاً إلا طعنه؛ حتى طعن ثلاثةَ عشرَ رجلاً، مات منهم سبعةٌ، فلما رأى ذلك رجلٌ من المسلمين؛ طرح عليه بُرْنُسًا، فلما ظنَّ العِلْجُ أنه مأخوذٌ؛ نَحَرَ نفسَه. فتناول عمر يد عبدالرحمن بن عوف؛ فقدَّمه للصلاة بالنَّاس، فصلَّى بهم صلاةً خفيفةُ، وحُمِلَ عمر إلى بيته وقد غلبه النَزْف حتى غُشيَ عليه، فلما أسفر الصُّبح استيقظ فقال: أَصَلَّى النَّاس؟ قالوا له: نعم. قال: لا إسلام لمن ترك الصَّلاة. ثم توضَّأ وصلَّى، وقال ابن عمر: وتساند إليَّ وجَرْحُهُ يَثْغَبُ دمًا، إني لأضع إصبعي الوسطى فما تَسُدُّ الفَتْقَ"
فقال عمر لابن عباس: "اخرجْ فنادِ في النَّاس: أعن مَلاَءٍ منكم كان هذا؟ فقالوا: مَعاذَ الله، ما علمنا ولا اطَّلعنا"
و قيل ان عمر ظن أنه ذنبًا إلى النَّاس لا يعلمه، فدعا ابن عباس، وكان يحبُّه ويُدْنِيه، فقال: أحبُّ أن تعلم عن مَلاءٍ منَ النَّاس كـان هذا؟ فخـرج، لا يمرُّ بمَلاءٍ من النَّاس إلا وهم يبكون؛ فكأنما فقدوا أبكارَ أولادهم؛ فأخبره. قال ابن عباسَّ: فرأيت البِشْرَ في وجهه".
حتى إنَّ القوم قالوا: "لوددنا أن الله زاد في عمركَ من أعمارنا، من محبَّتهم له رضيَ الله عنه".
فلما علم عمر أن الذي قتله عبدٌ مجوسيٌّ قال: "الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجَّني عند الله بسجدةٍ سجدها قطُّ"، وفي حديث جابر: أن عمر رضيَ الله عنه قال: "لا تعجلوا على الذي قتلني. فقيل: إنه قتل نفسه. فاسترجع عمر؛ فقيل له: إنه أبو لؤلؤة؛ فقال: الله أكبر"
فجاء للحكيم فسقى عمرَ نبيذًا فخرج من جرحه، ثم سقاه لبنًا، فخرج من جرحه؛ فعرف أنه الموت؛ فقال: "الآن لو أنَّ لي الدنيا كلَّها، لافتديتُ به من هول المُطَّلع".
فجعل النَّاس يُثْنونَ عليه، ويذكرون أعماله العظيمة في الإسلام؛ فكان يجيبهم فيقول: "إن المغرور من تغرُّونه".
وجاءه شابٌّ فقال: "أبْشِر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لكَ من صحبة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وقدم في الإسلام ما قد عملت، ثم وُلِّيتَ فعَدَلْتَ، ثم شَهَادَةٌ. قال: وددت أن ذلك كفافٌ، لا عليَّ ولا لي. فلما أدبر، إذا إزاره يمسُّ الأرض؛ فقال: ردُّوا عليَّ الغلام. قال: يا ابن أخي، ارفع ثوبك؛ فإنه أبقى لثوبكَ، وأتقى لربِّك"[. قال ابن مسعود: "يرحم الله عمر، لم يمنعه ما كان فيه من قول الحقِّ".
وأرسل ابنه عبدالله إلى عائشة، قال: "انطلق إلى عائشة أمِّ المؤمنين؛ فقُلْ: يقرأ عليكِ عمرُ السَّلامَ ولا تَقُلْ: أميرَ المؤمنين، فإنِّي لست اليوم للمؤمنين أميرًا - وقُلْ: يستأذن عمر بن الخطاب أن يُدْفَنَ مع صاحبَيْه" وإنما قال ذلك لئلاَّ تفهم عائشة أنه أمرٌ، وهو الإمام؛ فطاعته واجبةٌ، فترك لها الخيار، وطلب منها هذا الطلب على سبيل الرَّجاء، وليس على سبيل الأمر
فسلَّم عبد الله بن عمر واستأذن على عائشة، فوجدها قاعدةً تبكي، فقال: "يقرأ عليكِ عمر بن الخطاب السَّلام، ويستأذن أن يُدْفَن مع صاحبَيْه. فقالت: كنتُ أريده لنفسي، ولأوثرنَّه به اليوم على نفسي. فلما أقبل قيل: هذا عبدالله بن عمر قد جاء. قال: ارفعوني. فأسنده ابن عباس إليه، فقال: ما لديكَ؟ قال: الذي تحبُّ يا أمير المؤمنين، أَذِنَتْ. قال: الحمد لله، ما كان من شيءٍ أهمّ إليَّ من ذلك، فإذا أنا قضيتُ فاحملوني؛ ثم سلِّم فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أَذِنَتْ لي فأدخلوني، وإن ردَّتني ردُّوني إلى مقابر المسلمين"
وكان ابن عباس يُثني عليه وهو مسندٌ له، فلما انتهى من ثنائه قال عمر: "ألْصِقْ خدِّي بالأرض يا عبدالله بن عمر. قال ابن عباس: فوضعتُه من فَخِذِي على ساقي؛ فقال: ألْصِقْ خدِّي بالأرض! فوضعتُه حتى وضع لحيته وخدَّه بالأرض؛ فقال: ويلكَ عمرُ إن لم يغفر الله لكَ"، وقال عبدالله بن عامر بن ربيعة: "رأيتُ عمرَ أخذ تِبْنَةً منَ الأرض؛ فقال: ليتني كنتُ هذه التِّبْنَة، ليتني لم أُخْلَقْ، ليت أمِّي لم تلدني، ليتني لم أكُ شيئًا، ليتني كنتُ نَسْيًا منسيًّا"
فلما مات رضيَ الله عنه قال عليٌّ: "ما على الأرض أحدٌ ألقى الله بصحيفته أحبّ إليَّ من هذا المسجَّى بينكم"
وصلَّى عليه صُهَيْبٌ الرُّومي في مسجد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ودُفِنَ بجانب صاحبَيْه؛ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر رضيَ الله عنه.
❤🌹🌹❤😘😘
ردحذف