سيرة عثمان بن عفان
اسمه و نسبه
هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن لؤي بن غالب بن فهر العدوي القرشي، أمه هي أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وأمها: أم حكيم بنت عبد المطلب بن هاشم، وهي البيضاء توأمة عبد الله بن عبد المطلب فهي عمة الرسول صلى الله عليه وسلم.
كنية عثمان بن عفان
كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، فلما ولد له من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام سماه عبد الله، واكتنى به، فكناه المسلمون أبا عبد الله. مولده ولد في مكة بعد عام الفيل بست سنين على الصحيح
سبب تسميته بذي النورين
لُقب عثمان بن عفان رضي الله عنه بذي النورين، والمراد بالنورين ابنتا النبي صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم رضي الله عنهما؛ حيث زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته رقية، وحين توفيت زوجه ابنته الثانية أم كلثوم رضي الله عنهما، وفي ذلك يقول عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي: قال لي خالي حسين الجعفي: يا بني، أتدري لما سمي عثمان ذا النورين؟ قلت: لا أدري. قال: لم يجمع بين ابنتي نبي منذ خُلِق آدم إلى أن تقوم الساعة غير عثمان بن عفان، فلذلك سمي ذا النورين
صفة عثمان بن عفان الخلقية
كان رضي الله عنه رجلاً ليس بالقصير ولا بالطويل، رقيق البشرة، كث اللحية عظيمها، عظيم الكراديس، عظيم ما بين المنكبين، كثير شعر الرأس، يصفر لحيته، أضلع، أروح الرجلين،أقني، خدل الساقين، طويل الذراعين، شعره قد كسا ذراعيه، جعد الشعر أحسن الناس ثغرًا، جمته أسفل من أذنيه، حسن الوجه، والراجح أنه أبيض اللون، وقد قيل أسمر اللون.
زوجات عثمان بن عفان و أبناؤه
يروى أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- تزوج من امرأتين قبل الإسلام وهما أم عمرو بنت جندب، وفاطمة بنت الوليد بن عبد شمس، وقد أنجب عثمان من أم عمرو بنت جندب أولاده: عمرو وخالد وأبان وعمر ومريم، وأنجب من فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس أولاده: وليد وسعيد وأم سعيد، وهذا كلُّه قبل الإسلام، فكان يُكنَّى بأبي عمرو، فابنه عمرو كان أكبر أبنائه، وقد أسلم عثمان بن عفان وعمره فوق الثلاثين عامًا، وتزوج بعد الإسلام بابنة رسول الله رقية -رضي الله عنها- وأنجب منها ابنه عبد الله لكنه توفي صغيرًا، ولأنَّ عبد الله هو الولد الأول لعثمان بعد الإسلام فقد سُمِّي عثمان بأبي عبد الله بعد إسلامه، ثم توفيت زوجته رقية، فتزوج أختها أم كلثوم بنت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولم ينجب منها أطفالًا ، وبعد وفاتها تزوَّج عثمان من فاختة بنت غزوان وأنجبت له فاختة عبد الله بن عثمان وقد توفي صغيرًا ، ثمَّ تزوج أم البنين بنت عيينة بن حصن وأنجب منها ابنه عبد الملك، ومات عبد الملك أيضًا وهو في سنٍّ صغيرة، ثمَّ تزوج عثمان بن عفان رملة بنت شيبة وأنجبت له عائشة وأم أبان وأم عمرو، وتزوج بعد رملة من نائلة بنت الفرافصة وأنجبت له أولاده: أم خالد و أم أبان الصغرى وأروى ومريم.
قصة زواجه من رقية بنت رسول الله
وقصة زواج سيدنا عثمان من رقية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد زوج رقية من عتبة بن أبي لهب، وزوج أختها أم كلثوم عتيبة بن أبي لهب، فلما نزلت سورة المسد: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}، قال لهما أبو لهب وأمهما أم جميل بنت حرب بن أمية: فارقا ابنتي محمد. ففارقاهما قبل أن يدخلا بهما، كرامةً من الله تعالى لهما، وهوانًا لابنَيْ أبي لهب، فما كاد عثمان بن عفان رضي الله عنه يسمع بخبر طلاق رقية حتى استطار فرحًا وبادر، فخطبها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم منه، وزفتها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، وقد كان عثمان من أبهى قريش طلعة، وكانت هي تضاهيه قسامة وصباحة.
زواجه من أم كلثوم بنت رسول الله
زفت أم كلثوم -رضي الله عنها- بكنيتها، ولا يعرف لها اسم إلا ما ذكره الحاكم عن مصعب الزبيري أن اسمها (أمية)، وهي أكبر سنًّا من فاطمة رضي الله عنها
وعن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق -رضي الله عنها- قالت: لما زوج النبي ابنته أم كلثوم قال لأم أيمن: "هَيِّئِي ابْنَتِي أُمَّ كُلْثُومٍ، وَزِفِّيهَا إِلَى عُثْمَانَ، وَاخْفِقِي بَيْنَ يَدَيْهَا بِالدُّفِّ". ففعلت ذلك، فجاءها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثالثة، فدخل عليها فقال: "يَا بُنَيَّةُ، كَيْفَ وَجَدْتِ بَعْلَكِ؟" قَالَتْ: خَيْرَ بَعْلٍ"
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عند باب المسجد فقال: "يَا عُثْمَانَ، هَذَا جِبْرِيلُ أَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ قَدْ زَوَّجَكَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِمِثْلِ صَدَاقِ رُقَيَّةَ، وَعَلَى مِثْلِ صُحْبَتِهَا". وكان ذلك سنة ثلاث من الهجرة النبوية في ربيع الأول، وبنى بها في جمادى الآخرة.
فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه
زواجه من ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم
عثمان بن عفان بن أبي العاص، لقب بذي النورين، والمراد بالنورين ابنتا النبي صلى الله عليه وسلم "رقية" و"أم كلثوم" رضي الله عنهما؛ حيث زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته رقية، وحين توفيت زوجه ابنته الثانية أم كلثوم رضي الله عنهما.
رابع من اسلم من الرجال
أسلم رضي الله عنه على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومضى في إيمانه قدمًا، قويًّا هاديًا، وديعًا صابرًا عظيمًا راضيًا، عفوًّا كريمًا محسنًا رحيمًا سخيًّا باذلاً، يواسي المؤمنين ويعين المستضعفين.
و قد كان عثمان رضي الله عنه قد ناهز الرابعة والثلاثين من عمره حين دعاه أبوبكر الصديق إلى الإسلام، ولم يعرف عنه تلكؤًا أو تلعثمًا بل كان سبَّاقًا أجاب على الفور دعوة الصديق، فكان بذلك من السابقين الأولين، فكان بذلك رابع من أسلم من الرجال.
تحرير الرقاب
كان رضي الله عنه يعتق كل جمعة رقبة في سبيل الله منذ أسلم، فجميع ما أعتقه 2400 رقبة تقريبًا.
يوم الحديبية
بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عثمان بن عفان يوم الحديبية إلى أهل مكة، لكونه أعزَّ بيتٍ بمكة، واتفقت بيعة الرضوان في غيبته، فضرب الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشماله على يمينه وقال هذه يدُ عثمان، فقال الناس هنيئاً لعثمان.
موقفه في غزوة تبوك
في غزوة تبوك جهز جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيرًا، وأتم الألف بخمسين فرسًا، وألقى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ألف دينار، وجاء بسبعمائة أوقية ذهب صبها بين يدي رسول الله حتى جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلب يديه ظهرًا لبطن ويدعو له ويقول: "غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت، وما أخفيت وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، ما يبالي عثمان ما عمل بعد هذا".
زهده و كرمه
على الرغم من اشتهاره رضي الله عنه بالغنى والثروة والمال الوفير، فإنه قد اشتهر بالزهد في متاع الدنيا وزينتها، كان يطعم الناس طعام الإمارة، ويدخل إلى بيته فيأكل الخل والزيت.
من كتاب الرحي
اختصه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتابة الوحي، وقد نزل بسببه آيات من كتاب الله تعالى، وأثنى عليه جميع الصحابة، وبركاته وكراماته كثيرة، وكان عثمان -رضي الله عنه- شديد المتابعة للسنة، كثير القيام بالليل.
الخليفة الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم
بايعه المسلمون بعد مقتل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سنة 23هـ، فقد عيَّن عمر ستة للخلافة فجعلوا الأمر في ثلاثة، ثم جعل الثلاثة أمرهم إلى عبدالرجمن بن عوف بعد أن عاهد الله لهم ألا يألوا عن أفضلهم، ثم أخذ العهد والميثاق أن يسمعوا ويطيعوا لمن عيّنه وولاه، فجمع الناس ووعظهم وذكّرَهم ثم أخذ بيد عثمان وبايعه الناس على ذلك، فلما تمت البيعة أخذ عثمان بن عفان حاجباً هو مولاه وكاتباً هو مروان بن الحكم.
جمع الناس على مصحف واحد
جمع الناس على مصحف واحد، فَوَقَى المسلمين رضي الله عنه شر فتنة الاختلاف، ولقد لاقى هذا الفعل تشجيعا واستحسانا من جموع الصحابة رضوان الله عليهم، بل قد رأينا أن منهم من أشار على عثمان رضي الله عنه بهذا الأمر، يقول علي رضي الله عنه: "رحم الله عثمان، لقد صنع في المصاحف شيئًا، لو وليت الذي ولي قبل أن يفعل في المصاحف ما فعل لفعلت كما فعل".
تضحيته بنفسه حتى لا يراق دم المسلمين
كان مع عثمان -رضي الله عنه- في الدار نحو ستمائة رجل، فطلبوا منه الخروج للقتال والزود عنه وهو خليفة المسلمين، فكره ذلك وقال: "إنّما المراد نفسي وسأقي المسلمين بها"، فدخلوا عليه من دار أبي حَزْم الأنصاري فقتلوه، والمصحف بين يديه فوقع شيء من دمـه عليه، وكان ذلك صبيحـة عيد الأضحى سنة 35هـ في بيته بالمدينة، وفي هذا يكون قد ضحى بروحه ودمه الطاهر في سبيل ألا يراق دم من المسلمين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رجل تستحي منه الملائكة
تقول عائشة رضي الله عنها: كان الرسول صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيته كاشفًا عن ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، فدخل وهو على تلك الحالة فتحدث، ثم استأذن عمر، فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله r وسوَّى ثيابه. قالت عائشة: يا رسول الله، دخل أبو بكر، فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك؟!
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :"ألا استحي من رجل تستحي منه الملائكة"
اشبه صحابة رسول الله به
وعن عبد الرحمن بن عثمان القرشي، "أن رسول الله دخل على ابنته رقية، وهي تغسل رأس عثمان فقال: "يَا بُنَيَّةُ، أَحْسِنِي إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ أَشْبَهُ أَصْحَابِي بِي خُلُقًا".
بشارة النبي له بالشهادة
ويقول أنس بن مالك : "صعد النبي جبل أحد وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال
: اثْبُتْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ".
أول من هاجر إلى الحبشة بأهله
فقد أوذي عثمان وعُذب في سبيل الله تعالى على يد عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية الذي أخذه فأوثقه رباطًا، وقال: أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أحلك أبدًا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين. فقال عثمان: والله لا أدعه أبدًا، ولا أفارقه. فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه، وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والثانية، ومعه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم عنه
عن أنس قال: "لما أمر رسول الله ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان قد بعثه رسول الله إلى أهل مكة، فبايعه الناس فقال: إِنَّ عُثْمَانَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ. فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأرْضِ، فَكَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ لِعُثْمَانَ خَيْرًا مِنْ أَيْدِيهِمْ لأنْفُسِهِمْ".
من العشرة المبشرين بالجنة
فعن أبي موسى الأشعري رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عند بئر أريس، فجاء إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟فقال: عثمان بن عفان.فقلت: على رِسْلِكَ. فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ"
خلافة عثمان رضي الله عنه
تولي عثمان رضي الله عنه الخلافة
تولى الخلافة بعد مقتل عمر بن الخطاب و كان في الثامنة و الستين من عمره و ذلك أنه لما طعن عمر بن الخطاب دعا ستة أشخاص من الصحابة وهم: علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله ليختاروا من بينهم خليفة. وذهب المدعوون إلى لقاء عمر إلا طلحة بن عبيد الله فقد كان في سفر وأوصاهم بأختيار خليفة من بينهم في مدة أقصاها ثلاثة أيام من وفاته حرصا على وحدة المسلمين، فتشاور الصحابة فيما بينهم ثم أجمعوا على أختيار عثمان وبايعه المسلمون في المسجد بيعة عامة سنة 23 هـ فأصبح ثالث الخلفاء الراشدين.
الفتوحات في عهد عثمان رضي الله عنه
و في عهد عثمان أتسعت رقعة الدولة الإسلامية حيث استمرت الفتوحات الإسلامية في مختلف الجبهات، وفتحت بلاد جديدة في إفريقية وآسيا وجزر المتوسط، ففي الجبهة الشرقية قضى عبدالله بن عامر والي البصرة على المقاومة الفارسية، وفتح أصبهان واصطخر وجرجان . وفي سنة 30 هـ فتح المسلمون طوس وسَرخس وطبرستان، ثم ساحل بلوخستان ومكران، كما فتحوا بلخ وهراة وكابل وغزنة. ووصلوا إلى نهر جيحون شمالاً وحدود الهند شرقاً. وفي الجبهة الشمالية، فُتحت أرمينيا وأذربيجان وجورجيا. ومن المعروف أن أذربيجان فُتحت عدة مرات كانت الأولى في عهد عمر على يد حذيفة (رضي الله عنه)، ثم نقض أهلها الصلح ففتحها عتبة بن فرقد على أيام عمر أيضاً. فلما نقضت عهدها للمرة الثالثة فتحها الوليد بن عقبة في عهد عثمان (رضي الله عنه). وقيل أن من فتحها هو حبيب بن مسلم الفهري وكان يقود قسماً من الجيش، في حين تقود زوجته القسم الآخر! كذلك غزا معاوية أرض الروم، ووصل إلى عمورية (قرب أنقرة).
أما في الجبهة الجنوبية، ففتح جنوب مصر، وعقد المسلمون صلحاً مع ملك بلاد النوبة نصت على أن تصدر مصر إليها الحبوب والعدس. و في الجبهة الغربية، تمكن عبدالله بن أبي السرح من احتلال مدينة سبيطلة بالقرب من قرطاجنة، وفرض الجزية على أهلها، وبذلك وصلت حدود الدولة الإسلامية إلى تونس.
كما قام والي الشام معاوية بن أبي سفيان باسترداد مدن الشام الساحلية التي احتلها البيزنطيون في نهاية عهد عمر بن الخطاب، ثم قام بفتح مدينة طرابلس التي لم تكن قد فتحت بعد بسبب حماية الأسطول البيزنطي لها. وكان عمر بن الخطاب قد منع معاوية من ركوب البحر، ربما لأنه كان يدرك أن الأوان لم يحن بعد لمواجهة البيزنطيين، ولكن عثمان بن عفان أذن لمعاوية بذلك. ولذا بنى المسلمون أسطولاً حربياً قوياً لصد غارات الأسطول البيزنطي على الشام ومصر (قام معاوية ببناء أسطول الشام، وعبدالله بن أبي السرح أسطول مصر).و تمكن الأسطول الإسلامي بقيادة معاوية من فتح جزيرة قبرص بعد أن صالح أهلها على سبعة آلاف دينار سنوياً.
وفي معركة ذات الصواري وهي أول معركة بحرية يخوضها المسلمون، وسميت بذلك الاسم لكثرة صواري المراكب واجتماعها. وكانت سفن البيزنطيين تقارب 500 سفينة بقيادة قسطنطين الثاني بن هرقل، بينما السفن الإسلامية لم تزد على 200 سفينة يقودها عبدالله بن أبي السرح. وهذه المعركة تعد نموذجاً واضحاً على التفكير العقلاني لدى المسلمين. وبناء على ذلك تمكن الأسطول الإسلامي من هزيمة الأسطول البيزنطي والاستيلاء على سفنه، وانفتح بالتالي طريق المسلمين للسيادة البحرية في شرق البحر المتوسط.
مصحف عثمان
كانت البداية في جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، وقد حفظت الرقاع لديه ثم عند عمر (رضي الله عنه)، ولما مات حفظت عند ابنته أم المؤمنين حفصة بنت عمر (رضي الله عنه). وفي عهد عثمان (رضي الله عنه) لاحظ حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) اختلاف المسلمين في قراءة القرآن، فأشار على عثمان بنسخ مصاحف يقرأها المسلمون. فقرر عثمان (رضي الله عنه) نسخ المصحف مراعاة لاختلاف الناس في قراءة القرآن، وقد شجعه على ذلك – إلى جانب اقتراح حذيفة (رضي الله عنه) – عدة أسباب أهمها: أن أبا بكر لم يلزم أحداً بنسخ القرآن الذي جمعه، فاحتفظ بعض الصحابة بمصاحفهم الخاصة بهم، ومن أشهر هذه المصاحف، مصحف أُبي بن كعب، ومصحف عبدالله بن مسعود، ومصحف أبي موسى الأشعري، ومصحف المقداد بن عمرو، ووجود هذه المصاحف ربما يؤدي إلى الاختلاف، لأن كل منهم رتب مصحفه كما يريد. فلما تفرق هؤلاء الصحابة في الأمصار – بعد وفاة عمر (رضي الله عنه) – أخذ أهل كل بلد بقراءة من اشتهر من الصحابة عندهم، فأخذ أهل الشام بقراءة أُبي بن كعب، وأهل الكوفة بقراءة عبدالله بن مسعود، وهكذا. أدى ذلك إلى اختلاف المعلمين في تدريس التلاميذ، فكان كل منهم يقرئ على الحرف الذي يريد. و قد كلف عثمان (رضي الله عنه) كل من زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث (رضي الله عنهم) أن ينسخوا «المصحف الإمام»، ثم أمرهم أن ينسخوا عدة نسخ من «المصحف الإمام»، فنسخوا ست نسخ على الأرجح، بعث بها إلى الأمصار كالبصرة والكوفة والشام ومكة بالطبع، وأبقى نسخة في المدينة، واحتفظ لنفسه بالمصحف الإمام «مصحف عثمان»، و بعث إلى الأقطار الإسلامية حُفاظاً يثق بهم لتدريس الناس القرآن، وتوحيد قراءاتهم. ثم أمر عثمان بحرق كل الآثار التي فيها قرآن، فالتزم الناس بأمره، واستحسنوه . أما مصحف حفصة (رضي الله عنها) فقد أعيد إليها، وبقي عندها إلى أن توفيت، فأخذه مروان بن الحكم وأحرقه. وهكذا بقيت المصاحف العثمانية متداولة، ينسخ منها الناس ويتداولونها.
أحداث الفتنة
بدأت الفتنة بعد ست سنوات من حكم ذي النورين عثمان بن عفان رضى الله عنه، واستمرت فترة حكم أمير المؤمنين علي رضى الله عنه.
كان أمير المؤمنين عثمان رضى الله عنه حريصًا على مداراة من يخالفونه، ويُكثرون من الشكوى من أمرائهم ظلمًا وعدوانًا، وحتى لما كثرت إساءات المارقين، وأشار ولاة عثمان عليه بأخذهم بالشدة، قال لهم: "والله إن رَحَى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها. كفكفوا الناس، وهبوا لهم حقوقهم، واغتفروا لهم، وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها".
افترى أهل الفتنة تصرفات باطلة على أمير المؤمنين عثمان رضى الله عنه، وأخذوا يطعنون في وُلاته، وهو صابر عليهم، ولكن كان هناك من يحرِّك الفتنة بمهارة وتؤدة ومثابرة؛ فقد كان هناك عبد الله بن سبأ اليهودي المعروف بابن السوداء، الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر والعداوة للإسلام وأهله. وتوجّه ذلك الرجل إلى البصرة التي كانت تحت إمارة عبد الله بن عامر الذي بلغه أن في عبد القيس رجلاً نازلاً على حكيم بن جبلة العبدي، وكان عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء، هو الرجل النازل عليه، واجتمع إليه نفر، فطرح إليهم ابن السوداء ولم يصرح، فقبلوا منه.
فأرسل إليهم ابن عامر فسأله: من أنت؟
فقال: رجل من أهل الكتاب رغبت في الإسلام وفي جوارك.
فقال: ما يبلغني ذلك، اخرج عني. فخرج حتى أتى الكوفة فأُخرج منها، فقصد مصر فاستقر بها وجعل يكاتبهم ويكاتبونه، وتختلف الرجال بينهم.
وكان ابن سبأ يكثر الطعن على عثمان ويدعو في السر لأهل البيت، ويقول: إن محمدًا يرجع كما يرجع عيسى. وعنه أخذ ذلك أهل الرَّجْعَةِ، وإن عليًّا وصيُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لم يجز وصيته، وإن عثمان أخذ الأمر بغير حق، ويحرض الناس على القيام في ذلك، والطعن على الأمراء.
وسواءٌ كان ابن سبأ هو الذي قام بهذا، أو أنه شخصية خيالية كما يرى عدد من الباحثين؛ فإن هناك من كان يقوم بهذا الدور و هو تأليب الناس على عثمان و الافتراء عليه سواء كان فردًا أو جماعة.
و هكذا ظلَّت الرسائل تُتَبادَل بين أهل الفتنة في مصر والبصرة والكوفة، يحرِّض بعضهم بعضًا فيها على التشنيع على ولاة عثمان رضى الله عنه، ثم على عثمان نفسه حتى وصل الأمر إلى الاتِّعاد على قدوم المدينة في موسم الحَجِّ، وإعلان العصيان والخروج على أمير المؤمنين رضى الله عنه.
و كان عثمان بن عفان رضي الله عنه قد علم بما خططه أهل الفتنة من رجلين شهدا تدبيرهم ومكرهم؛ "فأرسل إلى الكوفيين والبصريين، ونادى: الصلاة جامعة! فأقبل الرجلان، وشهدا بما علما؛ فقال المسلمون جميعًا: اقتلهم؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن دعا إلى نفسه، أو إلى أحد وعلى الناس إمام، فعليه لعنة الله فاقتلوه".
وقال عمر بن الخطاب: لا أُحِلّ لكم إلا ما قتلتموه، وأنا شريككم. فقال عثمان: بل نعفو ونقبل، ونبصرهم بجهدنا، ولا نحادّ أحدًا حتى يركب حدًّا، أو يُبدِي كفرًا. إن هؤلاء ذكروا أمورًا قد علموا منها مثل الذي علمتم، إلا أنهم زعموا أنهم يذاكرونيها ليوجبها عليَّ عند من لا يعلم.
وبعد ذلك أخذ عثمان بن عفان رضي الله عنه يرد على كل ما زعموه وافتروه، والمهاجرون والأنصار يؤيدونه في كل ما يقول؛ حتى إذا انتهى من ردِّه، وقد أفحم أهل الفتنة، "فأبى المسلمون إلا قتلهم، وأبى عثمان إلا تركهم، فذهبوا ورجعوا إلى بلادهم، مع اتفاق بينهم على أن يعودوا وسط الحجاج لاقتحام المدينة؛ فتكاتبوا وقالوا: موعدكم ضواحي المدينة في شوال" من عام 35ه".
فوجِئ عثمان رضى الله عنه والمسلمون معه بأهل الفتنة يعيدون احتلال المدينة بشكل منظَّم تم إعداده مسبقًا، ويحاصرون دار الخليفة، ويواجهونه بما افتروه عليه، وكان ممن شارك في الفتنة كثير من الجُهَّال الذين غرَّر بهم أهل الفتنة، واستخدموهم في مخططهم الخبيث.
مقتل عثمان رضي الله عنه
وقف هؤلاء وأولئك أمام دار عثمان بن عفان رضي الله ٦يحاصرونها، ويُعدِّدون عليه اتهاماتهم؛ فردَّ عليهم رضى الله عنه كل اتهام باطل بما يدحضه، ولكن الفتنة والعناد قد تحكما فيهم، وأخذ رءوس الفتنة يقطعون كل السُّبل أمام إخمادها؛ فخيروه رضى الله عنه بين عزل نفسه أو قتله، فرفض رضى الله عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بشَّره بالشهادة؛ فعن أبي موسى الأشعري رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عند بئر أريس، فجاء إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟
فقال: عثمان بن عفان.
فقلت: على رِسْلِكَ. فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ"
كما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد نهاه في حياته عن خلع نفسه من الخلافة التي تأتيه؛ فعن عائشة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عثمان فناجاه فأطال، وإني لم أفهم من قوله يومئذٍ إلا أني سمعته يقول له: "ولا تنزعَنَّ قميص الله الذي قمَّصك"
لذا لما طلب منه أهل الفتنة عزل عُمَّاله وردَّ مظالمهم، وقالوا: والله لتفعلن أو لتخلعن أو لتقتلن. أبى عليهم وقال: لا أنزع سربالاً سربلنيه الله.
فحصروه واشتد الحصار عليه، فأرسل إلى علي وطلحة والزبير فحضروا، فأشرف عليهم فقال: يا أيها الناس، اجلسوا. فجلسوا المحارب والمسالم. فقال لهم: يا أهل المدينة، أستودعكم الله، وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي. ثم قال: أنشدكم بالله، هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم، ويجمعكم على خيركم؟
أتقولون: إن الله لم يستجب لكم وهنتم عليه وأنتم أهل حقه؟
أم تقولون: هان على الله دينه فلم يبالِ من وَلِي والدين لم يتفرق أهله يومئذ؟ أم تقولون: لم يكن أخذٌ عن مشورة إنما كان مكابرة، فوكل الله الأمة إذا عصته ولم يشاوروا في الإمامة؟ أم تقولون: إن الله لم يعلم عاقبة أمري!
وأخذ عثمان رضى الله عنه يوضح لهم حرمة ما ينتوونه من قتله؛ فقال: وأنشدكم بالله أتعلمون لي من سابقة خير وقدم خير قدمه الله لي ما يوجب على كل من جاء بعدي أن يعرفوا لي فضلها! فمهلاً لا تقتلوني؛ فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه، أو كفر بعد إيمانه، أو قتل نفسًا بغير حق؛ فإنكم إذا قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم، ثم لم يرفع الله عنكم الاختلاف أبدًا.
ثم لزم عثمان رضى الله عنه الدار وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم، فرجعوا إلا الحسن بن علي وابن عباس ومحمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير وأشباهًا لهم، واجتمع إليه ناس كثير، فكانت مدة الحصار أربعين يومًا، فلما مضت ثماني عشرة ليلة قدم ركبان من الأمصار فأخبروا بخبر من تهيأ إليهم من الجنود وشجعوا الناس، فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان ومنعوه كل شيء حتى الماء.
فأرسل عثمان إلى عليٍّ سرًّا وإلى طلحة والزبير وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، إنهم قد منعوني الماء، فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا ماء فافعلوا. فكان أوَّلهم إجابة علي، وأم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء عليٌّ في الغلس فقال: يا أيها الناس، إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، فلا تقطعوا عن هذا الرجل الماء ولا المادة، فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقي!
فقالوا: لا والله ولا نعمة عين! فرمى بعمامته في الدار بأني قد نهضت ورجعت، وجاءت أم حبيبة على بغلةٍ لها مشتملة على إداوة فضربوا وجه بغلتها، فقالت: إن وصايا بني أمية عند هذا الرجل، فأحببت أن أسأله عنها لئلاّ تهلك أموال الأيتام والأرامل. فقالوا: كاذبة! وقطعوا حبل البغلة بالسيف، فنفرت وكادت تسقط عنها، فتلقاها الناس فأخذوها وذهبوا بها إلى بيتها.
إنَّ تجرؤ هؤلاء المارقين على أم المؤمنين أم حبيبة؛ لَيبين ما وصلوا إليه من خروج عن الدين، واستهانة بحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وعداوة للرسول صلى الله عليه وسلم نفسه.
ثم بدأ ذو النورين رضى الله عنه يُذَكِّرهم بسابقته في الإسلام، ومكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتضحياته من أجل الدين؛ فقال: أنشدكم الله هل تعلمون أني اشتريت بئر رومة بمالي ليستعذب بها، فجعلت رشائي فيها كرجل من المسلمين؟
قالوا: نعم.
قال: فلِمَ تمنعوني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر؟ ثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أني اشتريت أرض كذا فزدتها في المسجد؟
قيل: نعم.
قال: فهل علمتم أن أحدًا مُنع أن يصلي فيه قبلي؟ ثم قال: أنشدكم بالله أتعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عني كذا وكذا؟ أشياء في شأنه.
ففشا النهي في الناس يقولون: مهلًا عن أمير المؤمنين.
فقام الأشتر فقال: لعلَّه مكر به وبكم.
والأشتر هذا سيكون من قاتلي الإمام المظلوم عثمان بن عفان رضى الله عنه؛ لذا نراه هنا يحاول تخذيل مَن تراجعوا عن اتهاماتهم لأمير المؤمنين.
مقتل عثمان رضي الله عنه
سارت الأحداث في الاتجاه الذي خطط له أهل الفتنة؛ فشدَّدوا الحصار على دار أمير المؤمنين، وقد جاء عدد من الصحابة وأبنائهم يدافعون عنه، ولكنه أمرهم بالانصراف وترك الدفاع عنه؛ فعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: كنت مع عثمان في الدار فقال: أعزم على كل من رأى أن عليه سمعًا وطاعة إلا كف يده وسلاحه. ثم قال: قم يابن عمر -وعلى ابن عمر سيفه متقلدًا- فأخبر به الناس. فخرج ابن عمر والحسن بن علي. وجاء زيد بن ثابت فقال له: إن هؤلاء الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله، مرتين. قال عثمان: لا حاجة بي في ذلك، كُفُّوا.
وقال له أبو هريرة: اليوم طاب الضرب معك. قال: عزمت عليك لتخرجَنَّ.
وكان الحسن بن علي آخر من خرج من عنده، فإنه جاء الحسن والحسين وابن عمر وابن الزبير ومروان، فعزم عليهم في وضع سلاحهم وخروجهم، ولزوم بيوتهم.
فقال له ابن الزبير ومروان: نحن نعزم على أنفسنا لا نبرح. ففتح عثمان الباب.
قُتِل الشهيد عثمان بن عفان رضى الله عنه، وكانت صدمة لم يتوقعها المسلمون، وطعنة غدر أُعِدَّت بدقة لتوجَّه إلى قلب الأمة الإسلامية؛ فأصابت المسلمين بالذهول حتى قيل: إن المدينة بقيت خمسة أيام بعد استشهاد عثمان رضى الله عنه بلا خليفة.
تعليقات
إرسال تعليق