القائمة الرئيسية

الصفحات

 


الحجاج بن يوسف الثقفي

مبير ثقيف كما قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم، كان سفاكًا للدماء فاجرًا مجرمًا و كان على ذلك مكثارًا في قراءة القرآن، مجتنبًا المحارم و فيه شهامة عظيمة و غضبه تشبه غضبة الملوك. كان بليغًا طليق اللسان ماكرًا ذو حيلة و رأي، هو الحجاج بن يوسف الثقفي.

أسمه و نسبه

هو أبو محمد الحجاج كليب بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف بن مُنبّه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خَصَفَة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، الثقفي.

نشأته

وُلِدَ الحجاج بن يوسف الثقفي في منازلِ ثقيف بمدينة الطائف، في عام الجماعة 41 هـ. وكان اسمه كُليب ثم أبدَلَهُ بالحجَّاج، وأمُّه هي الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي الصحابي الشهيد تزوجها الصحابي المغيرة بن شعبة ثم طلقها وندم، فتزوجها أبو الحجاج. نشأ الحجاج في الطائف وسط عائلة مثقفة،وكان والده رجلاً مميزاً؛ إذ كان مطلعاً على العلم وفضائل الآداب، حتّى أنَّه كرّس حياته لتعليم أبناء الطائف القرآن الكريم، دون تلقي أجر على عمله هذا، ومن هذا المنطلق حفظ الحجاج كتاب الله على يد والده، ثم ولج إلى حلقات أئمة وكبار العلم من الصحابة والتابعين أمثال: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وغيرهم، وبعد ذلك انخرط في تعليم الصبيان شأنه في ذلك مثل شأن والده، وقد أثرّت نشأة الحجاج في الطائف على فصاحته، فقد اتصل بقبيلة هذيل التي كانت تُعدُّ أفصح العرب، وبرع في مجال الخطابة

 لذا فقد كانت نشأة  الحجاج نشأة شاب فصيح بليغ حافظ لكتاب الله تعالى، حيث قال عنه بعض السلف: أنّه كان يقرأ القرآن كلّ ليلة، وقال عنه أبو عمرو بن العلاء: لم أرَ أفصح منه ومن الحسن البصري، وكان الحسن أفصح منه، عمل الحجاج في شبابه معلم صبيان مع أبيه، يعلم الفتية القرآن والحديث، ويفقههم في الدين، لكنه لم يكن راضياً بعمله هذا، على الرغم من تأثيره الكبير عليه، فقد اشتُهِر بتعظيمه للقرآن. كانت الطائف تلك الأيام بين ولاية عبد الله بن الزبير،وبين وِلاية الأمويين، لكن أصحاب عبد الله بن الزبير تجبَّرُوا على أهل الطائف، فقرَّر الحجاج الانطلاق إلى الشام. 

 بداية الطموح السياسي للحجاج بن يوسف الثقفي 

بسبب ما كانت تمر به الطائف و أهلها من ظلم و تجبر قرر الحجاج بن يوسف الثقفي الذهاب إلى الشام حاضرة الخلافة الأموية المتعثرة، التي تركها مروان بن الحكم نهباً بين المتحاربين. قد تختلف الأسباب التي دفعت الحجاج إلى اختيار الشام مكاناً ليبدأ طموحه السياسي منه رغم بُعدِ المسافة بينها وبين الطائف، وقرب مكة إليه، لكن يُعتقد أن السَّبب الأكبر كراهته لولاية عبد الله بن الزبير. في الشام، التحق بشرطة الإمارة التي كانت تعاني من مشاكل جمة، منها سوء التنظيم، واستخفاف أفراد الشرطة بالنظام، وقلة المجندين. فأبدى حماسةً وانضباطاً، وسارع إلى تنبيه أولياء الأمر لكل خطأ أو خلل، وأخذ نفسه بالشدة، فقربه روح بن زنباع قائد الشرطة إليه، ورفع مكانته، ورقاه فوق أصحابه، فأخذهم بالشدة، وعاقبهم لأدنى خلل، فضبطهم، وسير أمورهم بالطاعة المطلقة لأولياء الأمر. رأى فيه روح بن زنباع العزيمة والقوة الماضية، فقدمه إلى الخليفة عبد الملك بن مروان، وكان داهية مقداماً، جمع الدولة الأموية وحماها من السقوط، فأسسها من جديد فقد كانت الشرطة  في حالة سيئة، وقد استهون جند الإمارة عملهم فتهاونوا، فأهم أمرهم عبد الملك بن مروان، وعندها أشار عليه روح بن زنباع بتعيين الحجاج عليهم، فلما عينه، أسرف في عقوبة المخالفين، وضبط أمور الشرطة، فما عاد منهم تراخ ولا لهو إلا جماعة روح بن زنباع، فجاء الحجاج يوماً على رؤوسهم وهم يأكلون، فنهاهم عن ذلك في عملهم، لكنهم لم ينتهوا، ودعوه معهم إلى طعامهم، فأمر بهم، فحبسوا، وأحرقت سرادقهم. فشكاه روح بن زنباع إلى الخليفة، فدعا الحجاج وسأله عما حمله على فعله هذا، فقال إنما أنت من فعل يا أمير المؤمنين، فأنا يدك وسوطك، وأشار عليه بتعويض روح بن زنباع دون كسر أمره.

وكان عبد الملك بن مروان قد قرر تسيير الجيوش لمحاربة الخارجين على الدولة، فضم الحجاج إلى الجيش الذي قاده بنفسه لحرب مصعب بن الزبير.

ولم يكن أهل الشام يخرجون في الجيوش، فطلب الحجاج من الخليفة أن يسلطه عليهم، ففعل. فأعلن الحجاج أن أيما رجل قدر على حمل السلاح ولم يخرج معه، أمهله ثلاثاً، ثم قتله وأحرق داره وانتهب ماله، ثم طاف بالبيوت باحثاً عن المتخلفين. وبدأ الحجاج بقتل أحد المعترضين عليه، فأطاعه الجميع، وخرجوا معه بالجبر لا الاختيار.

الحجاج بن يوسف الثقفي و حرب مكة

بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان سنة (60هـ=679م) رفض عبد الله بن الزبير مبايعة يزيد بن معاوية الذي خلف أباه في منصب الخلافة، واتجه إلى مكة وركن إلى البيت الحرام، وسمى نفسه العائذ بالبيت، ولم يعلن عن رغبته في الخلافة، وفي الوقت نفسه ظل رافضًا مبايعة يزيد بن معاوية، الذي حاول إجباره على مبايعته، لكنه لم يفلح في ذلك، وتوفي دون أن يبايعه ابن الزبير.

وبعد وفاته سنة (64هـ=683م) تعرضت الدولة الأموية للفوضى والاضطراب، وزادها اضطرابا امتناع معاوية بن يزيد عن تولي الخلافة، ولم تجد الأمة خيرا من عبد الله بن الزبير لتولي هذا المنصب لعلمه وفضله وقدرته وكفاءته؛ فبايعته بالخلافة، ولم تتخلف بلدة عن مبايعته سوى الأردن في الشام، التي انطلق منها بنو أمية لمواجهة ابن الزبير. 

كان الصراع قائمًا بين عبد الملك بن مروان و الزبير بن العوام، و رآى عبد الملك بن مروان في الحجاج قدرة على حسم الصراع لصالحه  فقد أعلن الزبير نفسه خليفة سنة (64هـ/683م) بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ودان له بالولاء معظم أنحاء العالم الإسلامي، ولم يبق سوى الأردن التي ظلت على ولائها للأمويين، وبايعت مروان بن الحكم بالخلافة، فنجح في استعادة مصر من قبضة ابن الزبير، ثم توفي تاركا لابنه عبد الملك استكمال المهمة، فانتزع العراق، ولم يبق في يد عبد الله بن الزبير سوى الحجاز؛ فجهز عبد الملك حملة بقيادة الحجاج؛ للقضاء على دولته تماما.

حاصر الحجاج مكة المشرفة، وضيّق الخناق على ابن الزبير المحتمي بالبيت، وكان أصحابه قد تفرقوا عنه وخذلوه، ولم يبق سوى قلة صابرة، لم تغنِ عنه شيئا، ولم تستطع الدفاع عن المدينة المقدسة التي يضربها الحجاج بالمنجنيق دون مراعاة لحرمتها وقداستها؛ حتى تهدمت بعض أجزاء من الكعبة، وانتهى القتال باستشهاد ابن الزبير (وعمره 72 عاماً) والقضاء على دولته، وعودة الوحدة للأمة الإسلامية التي أصبحت في ذلك العام (73 هـ = 693م) تدين بالطاعة لخليفة واحد، وهو عبد الملك بن مروان.

فكافأ  عبد الملك بن مروان  الحجاج أن ولاه ولاية الحجاز وكانت تضم مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليه اليمن واليمامة فكان عند حسن ظن الخليفة وأظهر حزما وعزما في إدارته؛ حتى تحسنت أحوال الحجاز، فأعاد بناء الكعبة، وبنى مسجد ابن سلمة بالمدينة المنورة، وحفر الآبار، وشيد السدود.

حقيقة ضرب الحجاج الكعبة بالمجانيق 

لما أصر  عبد الله بن الزبير رضي الله عنه على موقفه  ولاذ بالحرم حتى سمي بعائذ الحرم،   كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يطلب منه الأذن بقتاله، ورد عليه عبد الملك بقوله: افعل ما ترى؛ فتوجه الحجاج بكامل جيشه إلى مكة ونصب المجانيق على جبالها وبدأ يضرب بن الزبير داخل الحرم، وكانت وفود الحج قد جاءت إلى مكة وقد منعهم من دخول المسجد الحرام والطواف به المعركة القائمة بين بن الزبير والحجاج، فتدخل عبد الله بن عمر بن الخطاب وكتب إلى الحجاج يقول له : اتق الله فإنك في شهر حرام وبلد حرام وقد قدمت وفود الله من أٌطار الأرض ليؤدوا فريضة الله، فكف الحجاج عن استعمال المنجنيق حتى انتهى الناس من الطواف، وقال : والله إني لكاره لما ترون ولكن بن الزبير لجأ إلى البيت الحرام. 

و قد كان مع الحجاج الحبشة، فجعلوا يرمون بالمنجنيق فقتلوا خلقا كثيرا، وكان معه خمس مجانيق فألح عليها بالرمي من كل مكان، وحبس أهل مكة الميرة والماء، فكانوا يشربون من ماء زمزم، وجعلت الحجارة تقع في الكعبة، والحجاج يصيح بأصحابه: يا أهل الشام الله الله في الطاعة. و قد آمن الحجاج كل من  سلم من أصحاب ابن الزبير، وأمنه هو نفسه، غير أن عبد الله بن الزبير لم يقبل أمان الحجاج، وقاتل رغم تفرق أصحابه عنه الذين طمعوا في أمان الحجاج حتى استشهد رضي الله عنه. 

قول شيخ الإسلام ابن تيمية في ضرب الكعبة 

و قد كان شيخ الإسلام ابن تيمية منصفًا حين نفى  أن يكون نصب المجانيق لضرب الكعبة و قال أن الهدف منها كان إخضاع أهل مكه والزبير بن العوام رضي الله عنه فيقول شيخ الإسلام بن تيمية: "ومن قال إن أحدًا من خلق الله قصد رمي الكعبة بمنجنيق أو عذرة، فقد كذب، فإن هذا لم يكن في الجاهلية ولا في الإسلام، والذين لا يحترمون الكعبة كأصحاب الفيل والقرامطة لم يفعلوا هذا، فكيف بالمسلمين الذين يعظمون الكعبة!! ولما قُتل ابن الزبير، دخلوا بعد هذا إلى المسجد الحرام، فطافوا بالكعبة، وحج بالناس الحجاجُ بن يوسف ذلك العام، وأمره عبد الملك بن مروان ألا يخالف عبد الله بن عمر في أمر الحج، فلو كان قصدهم بالكعبة شرًّا، لفعلوا ذلك بعد".

قصة مقتل عبد الله بن الزبير بن العوام  و ما فعله الحجاج 

كان عبد الله بن الزبير بن العوام يشعر بدنو أجله حتى قيل أنه قال يوم استشهاده" ما أَرَاني اليوم إلا مقتولًا، ولقد رأيت في ليلتي هذه كأن السماء فُرِجَت لي فدخلتها، فقد والله مَللتُ الحياة وما فيها  ولقد جاوزتُ سِنّ أبي، هذه لي ثنتان وسبعون سَنَة، اللهم إني قد أحببتُ لقاءك فأحبب لقائي، وجاهدتُ فيك عدوك فأثبني ثَوابَ المجاهدين." 

ثم قال لأصحابه" انظروا كيف تضربون بسيوفكم، ولْيَصُن الرجلُ سيفَه كما يصونُ وجهه، فإنه قبيحٌ بالرجل أن يخطئ مضرب سيفه لا أعلمن امْرأً كسَرَ سيفه واستبقى نفسه، فإن الرجل إذا ذهب سلاحه فهو كالمرأة أعزل، غُضّوا أبصاركم عن البارقة، وليَشْغَلْ كل امرئ منكم قِرْنَه، ولا يُهليّنّكم السؤال عني، ولا تقولُونَ: أين عبد الله بن الزبير؟ أَلَا وَمَنْ كان سائلًا فإني في الرعيل الأول. احملوا على بركة الله". وما كان يخطئ مضربًا واحدًا شبرًا من ذُبَاب السيف أو نحوه، وضرب رجلًا من أهل الشام ضربة أبدى سَحْرَهُ وهو يقول: خذها وأنا ابن الحَوَارِي، فلما كان يوم الثلاثاء، قام بين الركن والمقام، فقاتلهم أشد القتال، وجعل الحجاج يصيح بأصحابه: يا أهل الشام يا أهل الشام: الله الله في إمَامِكم، فَلَيَشُدُّون الشَّدّة الواحدة جميعًا حتى يقال: قد اشتملوا عليه، فيشدَّّ عليهم حتى يَفْرُجُهم ويبلغ بهم باب بني شَيْبَةَ، ثم يَكِرّ وَيَكِرّون عليه، ليس معه أعوان، فعل ذلك مرارًا، حتى جاء حَجَرٌ عائر، مِنْ ورائه فأصابه، فوقع في قَفَاه فَوَقذه، فارتعشَ ساعة، ثم وقعَ لوجهه، ثم انتهض فلم يَقْدِر على القيام، وابتدره الناس، وشَدّ عليه رجلٌ من أهل الشام، وقد ارتعشَ ابن الزبير فهو متكِئ على مِرْفَقِهِ الأيسر، فضرَبَ الرّجُلَ فَقَطَعَ رجليه بالسيف، وجعل يضربه ولا يقدر ينهض حتى كَثُروه فَذَفَّفوا عليه ولقد كان يقاتل، وإنه لمطروح يَخْذِمُ بالسيف كُلّ من دنا منه، فصاحت امرأة من الدار: "واأمير المُؤْمِنِيْنَاه"، فابتدره الناس فَكَثَرُوه، فقتلوه. وجاء الخبر الحجاج، فسجد، وسار حتى وقف عليه هو وطارق بن عمرو، وقال طارق: ما ولدت النّساء أذْكَر من هذا، فقال الحجاج: تمدح مَنْ خالَفَ أمير المؤمنين؟ قال طارق: نعم هو أعْذَرُ لنا، ولولا هذا ما كان لنا عذر، إنّا محاصروه وهو في غير خندق ولا حصن ولا مَنَعَة منذ سبعة أشهر ينتصف منا، بل يفضل علينا، في كل ما التقينا نحن وهو. 

و كانت أسماء بنت أبي بكر ام عبد الله بن الزبير قد أعدت  كفنه وَنَشَرته وأجْمَرته، وأمرت جواري لها يقمن على أبواب المسجد، فإذا قُتل عبد الله صِحْنَ، فرأيتهنّ حين قُتل عبد الله صَيّحْن، وأرسلت ليحمل عبد الله. فأُتِيَ الحجّاج به فحزَّ رأسه، وبعثَ به إلى عبد الملك بن مَروان، وَصَلَب جُثّته فقالت أسماء: قاتَلَ الله المُبِير، يَحُولُ بيني وبين جثّته أَنْ أُواريها، ثم ركِبت دابتها حتى وقَفَت عليه وهو مصلوب، فدعَت له طويلًا وما تقطر من عينها قَطْرة. 

الحوار الذي كان بين الحجاج بن يوسف الثقفي و أسماء بنت أبي بكر الصديق ذي النطاقين 

 لما قُتل بن الزبير أقبل الحجاج في أصحابه، فسأل عن أسماء بنت أبي بكر الصديق فأُخْبِر بها، فأقبل حتى وقف عليها، فقال: كيف رأيتِ؟ نَصَر الله الحقَّ وأَظهرَه. قالت: ربما أُدِيل الباطلُ على الحق، وإنّك بين فَرْثِها والجِيّة، قال: إن ابنك ألْحَد في هذا البيت، وقال الله تبارك وتعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادِ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} . وقد أذاقه الله ذلك. فقالت: كذبتَ، كان أول مولود في الإسلام بالمدينة، وَسُرّ به رسول الله صَلَّى الله وعليه وسلم، وحَنَّكَه بيده، فَكَبّر المسلمون يومئذ حتى ارتجت المدينة فرحًا به، وقد فرحتَ أنت وأصحابك بمقتله، فمن كان فَرِحَ يومئذ به خَيْرٌ مِنْكَ ومن أصحابك، وكان مع ذلك برًّا بالوالدين، صَوّامًا قَوّامًا بكتاب الله، معظِّمًا لحرم الله، يُبْغِضُ أن يُعْصَى الله، أشهد على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لسمعته يقول: "سيخرج من ثقيف كذابان الآخِرُ منهما شَرّ من الأول وهو مُبِير" وهو أنت. فانكَسَر الحجاج، وانصرف، وبلغ ذلك عبد الملك، فكتب إليه يلومه في مخاطبة أسماء، وقال: مالَكَ ولابنة الرجل الصالح! وسمع ابن عمر التكبير فيما بين المسجد إلى الحجون حين قُتل ابن الزبير، فقال: لَمَنْ كَبّرَ حين ولد ابن الزبير، أكْثَر وخَيْر ممّن كَبّر على قتله. 

و قيل أنه لما قُتل بن الزبير وصلبه الحجاج على الثنية التي بالحجون يقال لها: كَدَاء. فأرسلت أسماء إليه، قاتلك الله، وعلام تصلبه؟ فقال: إني استبَقْتُ أنا وابنك إلى هذه الخشبة فكانت اللَّبْجَةُ به، فأرسلَتْ إليه تستأذنه في أن تكفنَه، فأبى، وكتَبَ إلى عبد الملك يخبره بما صَنَع، فكتَبَ إليه عبد الملك يَلُومُه فيما صنع ويقول: ألا خَلّيت أمه فَوَارَته، فأَذِنَ لها الحجَّاج، فوارته بالمقبرة بالحجون. ثم بعث إلى أمه أسماء بنت أبي بكر وقد ذهب بصرها، أن تأتيه فأبت أن تأتيه، فأرسل إليها لتأْتِيِنِي أو لأبعثنّ إليك مَن يسحبك بقرونك حتى يأتيني بك، فأرسلت إليه إني والله لا آتيك حتى تبعث إليَّ مَن يَسحبني بقروني فيأتيك بي، فأتاه رسوله فأخبره. فلما رأى ذلك قال يا غلام: ناولني سِبْتيّتي. فناوله نَعْلَيه، فأخذ نَعْلَيه فانتعلَ، ثم خَرَج يَتَوَذَّف يعني مشية له حتى أتاها فدخل عليها، قال: فقال: كيف رأيْتِنِي صنعتُ بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدتَ عليه دنياه وأفسدَ عليك آخرتك، وقد بلغني أنك تُعيّره تقول: يا بن ذات النطاقين، وقد كنتُ والله ذات نطاقين، أما أحدهما فَنِطاق المرأة الذي لا تستغنى عنه، وأما النِّطاق الآخر فإني كنتُ أرفع فيه طعام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وطعام أبي من النَّمل وغيره، فأي ذلك ــ وَيْلَ أمك ــ عَيّرته به؟! أما إني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "إنه سيخرجُ من ثَقِيف رجلان؛ كذَّابٌ ومُبِير" فأما الكذّاب، فقد رأيناه ابن أبي عُبيد، وأما المُبِير، فأنت ذاك. قال: فوثَبَ فانصرفَ عنها ولم يُراجعها. 

كيف تولى الحجاج بن يوسف الثقفي العراق 

عندَما ضَرَبَت الفِتْنَة والفَوضى العِراق واضْطَرَبَ أَهلُها قَامَ عبد الملك بن مَروان بِجَمع أهل بِيْتِه وأُلي النَّجدة من جُندِه وخَاطَبَهُم قَائلًا: "إنَّ العراق قَد كَدُرَ مَاؤُه وكَثُر غَوغَاؤُه وعَظُمَ خَطْبُه وظَهَرَ ضِرَامُه وعَسَر إخْمادُ نِيرانِه فَهَل من مُمَهّدٍ للعراق بِسيفٍ قَاطِع وعَقلٍ جامِع وقَلبٍ ذَكي وأَنِفٍ حَمِي فَيُخْمِدُ نِيرانه ويَردَعُ غِيلانه ويُنصِفُ مَظْلومه فَتَصفو البِلاد وتأمَنُ العِباد، فَسَكَت القَوم ولَم يَنطِق أي مِنهُم بِكَلِمة إلى أن قَامَ الحجّاج وقال يا أمير المؤمنين أنا للعراق، قال عبد الملك: ومَن أنت لله أبوك، فردّ الحجّاج: أنا الحجّاج اللّيثُ الضَّمضام والهِزبَرُ الهَشام من ثقيف كُهوف الضّيوف ومستعمل السّيوف، فقال لَهُ عبد الملك لا أر:اكَ لَها يا حجّاج، فَوَجّه عبد الملك حَديثه للقَوم فقال: ما لي أرى الرُّؤوس مُطرِقَة والألسُنَ مُعْتَقَلة فَلم يُجِبهُ أحَد فقام إليه الحجّاج وقال يا أمير المؤمنين إني للعراق ومُجَندل الفُساق ومُطفىء نار النّفاق فَقَال عبد الملك ومن أنت؟ فأجاب: أنا الحجّاج قاسِمُ الظُلمة ومَعدن الحِكْمة وآفَةُ الكُفرِ والريبة، فقال عبد الملك: لا أراك لها يا حجّاج ثمّ توجّه للقوم وسأل من للعراق؟ 

فسَكَت القَوم، وقام الحجّاج وقال: أنا للعراق، فقال له عبد الملك: أظُنّك صَاحِبها والظّافرُ بِغنائمِها ولِكُلّ شيءٍ آيَةٌ وعَلامَة فَما آيَتُك وعَلامَتُك في هذا، فقال الحجّاج: العُقوبَةُ والعَفو، والاقْتِدارُ والبَسط، والإدْناءُ والإبْعاد، والجَّفاء والبِّر والوَفاء، والتّأهُب والحَزم وخَوضْ غَمَرات الحُروب فَمَن جَادَلني قَطعتُهُ، ومن ناَزَعني قَسَمْتُهُ، ومن خَالَفَني نَزَعتُهُ، ومن دَنَا مِني أكْرَمتُهُ، ومن طَلَبَ الأمَانَ أعْطَيتُهُ ومن سارعَ إلى الطّاعَةِ بَجّلتُهُ هّذه آيَتي وعَلامَتي، وما عَلَيكَ يا أمير المؤمنين إلا أن تبلُوَني، فإكُنتُ للأعْنَاقِ قطّاعًا، وللأرْواحِ نزّاعًا وللأمْوالِ جَمَّاعًا ولكَ نفَّاعًا، وإلّا فليَسْتِبدِل بي أمير المؤمنين غَيري، فإن النَّاس كُثُر لكن من يقُومُ بِهذا الأمرِ قليل، فقال له عبد الملك: أنتَ لَها يا حجّاج فما الّذي تَحتاجُ إليه". وهَكذا بدأ حُكم الحجّاج للعراق، فبَعد أن استَلَم حُكمَها انطَلَقَ مُتّجهًا توَاقًا إلى العراقَيْن الكوفة والبصرة ليَبدأ عَصر حُكم الحجّاج للعراق و قد حَكَمَ الحجَّاج العراق مُدَّة عِشرين عامًا حتَّى وَفَاتِه فيها، وأثناء فَتْرَه حُكم الحجَّاج للعراق وَقَعَت حَرب الخوارج وثورة ابن الأشعَث والّتي كانَت تهدد الدّولة الأمويَة. 


خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي في أهل العراق 

لما  قدم الحجاج بن يوسف الثقفي أميراً على العراق دخل المسجد فاشرأب نحوه الناس، وأفرجوا له إفراجة عن صحن المسجد، فإذا  به يتبهنس في مشيته، عليه عمامة خز حمراء، منتكباً قوساً عربية، يؤم المنبر،  فلم يزل كذلك حتى صعد المنبر، فجلس عليه، وما يحدر اللثام عن وجهه، وأهل الكوفة حينئذ لهم حال حسنة، وهيئة جميلة، وعز ومتعة، يدخل الرجل منهم المسجد ومعه عشرة أو عشرون من مواليه، عليهم الخزور والفوهية، وفي المسجد رجل يقال له: عمير بن ضابئ البرجمي، فقال: لمحمد بن عمر التميمي، هل لك أن أحصبه؟ قال: لا حتى أسمع كلامه، فقال:

لعن الله بني أمية! يستعملون علينا مثل هذا

ولقد ضيع العراق حين يكون مثل هذا أميراً عليه، والله لو كان هذا كله كلاماً ما كان شيئاً، والحجاج ينظر يمنة ويسرة، حتى غص المسجد بأهله، فقال:

يا أهل العراق! إني لا أعرف قدر اجتماعكم إلا اجتمعتم، قال رجل: نعم- أصلحك الله- فسكت هنيهة لا يتكلم، فقالوا: ما يمنعه من الكلام إلا العي والحصر، فقام فحدر لثامه، وقال: يا أهل العراق! أنا الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود.

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني

أما و الله فإني لأحمل الشر بثقله و أحذوه بنعله و أجزيه بمثله، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى. ثم قال: والله يا أهل العراق، إن أمير المؤمنين عبد الملك نثل كنانة بين يديه، فعجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدني أمرّها عوداً، وأشدها مكساً، فوجهني إليكم، ورماكم بي. يا أهل العراق، يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق، إنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مناخ الضلال، وسننتم سنن العي، وأيم الله لألحونكم لحو العود، ولأقرعنكم قرع المروة، ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، إني والله لا أحلق إلا فريت، ولا أعد إلا وفيت، إياي وهذه الزرافات، وقال وما يقول، وكان وما يكون، وما أنتم وذاك؟. يا أهل العراق! إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فكفرتم بأنعم الله، فأتاها وعيد القرى من ربها، فاستوسقوا واعتدلوا، ولا تميلوا، واسمعوا وأطيعوا، وشايعوا وبايعوا، واعلموا أنه ليس مني الإكثار والإبذار والأهذار، ولا مع ذلك النفار والفرار، إنما هو انتضاء هذا السيف، ثم لا يغمد في الشتاء والصيف، حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم، ويقيم له أودكم، وصغركم، ثم إني وجدت الصدق من البر، ووجدت البر في الجنة، ووجدت الكذب من الفجور، ووجدت الفجور في النار، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وإشخاصكم لمجاهدة عدوكم وعدو أمير المؤمنين، وقد أمرت لكم بذلك، وأجلتكم ثلاثة أيام، وأعطيت الله عهداً يؤاخذني به، ويستوفيه مني، لئن تخلف منكم بعد قبض عطائه أحد لأضربن عنقه. ولينهبن ماله. ثم التفت إلى أهل الشام فقال: يا أهل الشام! أنتم البطانة والعشيرة، والله لريحكم أطيب من ريح المسك الأزفر، وإنما أنتم كما قال الله تعالى: "ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء" والتفت إلى أهل العراق فقال: لريحكم أنتن من ريح الأبخر، وإنما أنتم كما قال الله تعالى: "ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار". اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام:


فقال القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله، فسكتوا فقال الحجاج من فوق المنبر: "أسكت يا غلام"، فسكت، فقال:" يا أهل الشقاق، ويا أهل النفاق ومساوئ الأخلاق. يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون السلام؟ هذا أدب ابن أبيه؟ والله لئن بقيت لكم لأؤدبنكم أدباً سوى أدب ابن أبيه، ولتستقيمن لي أو لأجعلن لكل امرئ منكم في جسده وفي نفسه شغلاً، اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام"، فقال:


بسم الله الرحمن الرحيم فلما بلغ إلى موضع السلام صاحوا وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته، فأنهاه ودخل قصر الإمارة ."

 و مما قيل أنه  حينما كان يخطب الحجاج بن يوسف الثقفي من على المنبر يُهدد ويتوعد أهل الكوفة تحدث إثنان من أشقياء الكوفة بصوت خافت فيما بينهم : فقال الاول للثاني من هذا الوقح إلا ان الحجاج سمع الكلام فصاح بكاتبه وأسمه سالم ياسالم أسمُع همهمة من بعيد من المتكلم ؟ فقالوا لا لا لا شئ ياسيدي نسبح بحمد الله . فصاح بأعلى صوته ينادي كاتبه سالم : ياسالم لكل فرد من هؤلاء المتكلمين 100 جلدة عندنا . وأكمل خطابه وعندما إنتهى من خطبته قال لكاتبه سالم : ياسالم بصوت عال أين هؤلاء الذين لهم بذمتنا 100 جلدة ؟ !فكان الهدوء وكأن ا لطير على رؤوسهم جميعا .


ثورة الأشعث  / مقتل سعيد بن جبير على يد الحجاج بن يوسف الثقفي

بدأت أحداث الأحداث  في سنة 82هـ حين وقعت أعنف ثورة قام بها أهل العراق، وهي فتنة ابن الأشعت، وكان ابن الأشعت أحد قادة الحجاج، وكان الحجاج يبغضه بشدة للتنافس بين الرجلين، وللطموح الذي يجمع بينهما، وكان سبب الثورة هو إصرار الحجاج على أن يواصل جيش ابن الأشعت التوغل في بلاد "الرتبيل" ملك الترك، في حين رفض ابن الأشعت الأوامر لقسوة فصل الشتاء، وكثرة الثلوج، ووعورة الطريق، فترددت الرسائل الخشنة بين الرجلين، ثم انتهت بإعلان ابن الأشعت العصيان والثورة، وخلع الطاعة للحجاج ولعبد الملك بن مروان الخليفة الأموي أيضًا.


 كان في جيش ابن الأشعت العديد من العلماء والفقهاء، وحفظة كتاب الله، ممن خرج للجهاد ونصرة دين الله عز وجل، منهم سعيد بن جبير، وطلحة بن حبيب، ومجاهد بن جبر، والشعبي، وابن أبي ليلى، وعلماء الزمان، 

وقعت العديد من المعارك الطاحنة بين الفريقين، كان لكتيبة العلماء والقراء دور كبير في تحميس الناس، وتقوية عزائمهم، وكان سعيد بن جبير يقف بين الصفوف، ويشد من أزر المقاتلين، ويقول: قاتلوهم على جورهم، واشتد لأنهم الضعفاء، وإماتتهم الصلاة، وكذلك فعل الشعبي وجبلة بن زحر زعيم القراء، وطبعًا ربما ينطق البعض للكلام على مدى جواز اشتراك العلماء والفقهاء في مثل تلك الثورة، وهل يعد ذلك خروجًا على السلطة أم لا؟ ولنا في موقفهم عبرة وعظة، وفي إجماعهم على ذلك - وهم أعلام الأمة وأكبر علمائها - دليل على جواز ذلك بشروط مخصوصة كانوا هم أدرى بها، وأعلم بطبيعتها، وهم قد رأوا من الحجاج ما سمعناه نحن فقط، وعاينوا على الطبيعة أفعاله وجرائمه؛ لذلك فهم أحق الناس بالحكم على الأمر 


ظلت ثورة ابن الأشعت مشتعلة بأرض العراق كلها طيلة سنتين كاملتين، وكادت أن تؤتى أكلها، ولكنها فشلت في النهاية، وأمعن الحجاج في التنكيل بالثوار؛ فقتل منهم عشرات الآلاف، وكان يؤتى بالرجل بين يدي الحجاج؛ فيطلب منه أن يشهد على نفسه بالكفر؛ فإن فعل أطلق سراحه، وإلا ضرب عنقه، فاضطر كثير من الناس للفرار من العراق، ومنهم سعيد بن جبير، وطلب بن حبيب، ومجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار، وهم وجوه الناس وعلماؤهم.


 انتقل سعيد بن جبير إلى أصبهان، وعاش هناك في الخفاء، وكان حريصًا على ألا يعرفه أحد، وذلك سنة 83هـ، ومع ذلك لم يترك الحج والعمرة كل سنة؛ فعلم الحجاج بوجوده بأصبهان؛ فأرسل في طلبه، فهرب منها ودخل العراق مستخفيًا، وأخذ في التنقل من مكان لآخر، والحجاج يشتد في طلبه، وذلك طيلة اثنى عشر سنة كاملة، وفي النهاية استقر في مكة ليسهل عليه الحج والعمرة، واستقر معه باقي إخوانه العلماء، وكان والي مكة خالد القسري يغض الطرف عنهم، حتى قام الخليفة الوليد بن عبد الملك بعزل عمر بن عبد العزيز عن ولاية المدينة، وعين مكانه عثمان بن حيان الذي أخذ في القبض على أصحاب ابن الأشعت في المدينة، وإرسالهم للحجاج بالعراق ليقتلهم؛ فاضطر عندها خالد القسري لحذو فعله، فقبض على سعيد بن جبير وأصحابه، وقد عُرض على سعيد الهرب من مكة فقال: والله لقد استحيت من الله من كثرة الفرار، ولا مفر من قدر الله، وكان الحجاج قد أرسل إلى خالد القسري يتهدده من أجل إرسالهم، فلم يجد خالد من بد في ذلك.


حمل سعيد بن جبير وأصحابه مثقلين بالقيود والحديد في رحلة طويلة من المدينة إلى الكوفة، وفي الطريق الطويل الشاق مات طلق بن حبيب، ولما وصلوا إلى الكوفة أمر الحجاج بسجنهم باستثناء سعيد بن جبير، الذي أمر بإحضاره بين يديه، وقد بسط له النطع، وأحضر السياف والجلاد للتنكيل بالإمام سعيد بن جبير، وكان الإمام عامر الشعبي يرى التقية المباحة، وبها تخلص من سيف الحجاج، أما الإمام سعيد فقد كان لا يراها، فلما أحضر بين يدي الحجاج قال له: اشهد على نفسك بالكفر، فقال الإمام: لا أفعل ذلك أبدًا، فقال الطاغية: اختر أي قتلة أقتلك، قال: اختر أنت، فإن القصاص أمامك قال: «أنت شقي بن كسير، قال: أنا سعيد بن جبير، قال: لأقتلنَّك، قال: أنا إذًا كما سمَّتني أمي، قال: دعوني أصلِّي ركعتين، قال: وجِّهوه إلى قبلة النصارى، قال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}. 

قال: إنِّي أستعيذُ منك بما عاذت به مريم، قال: وما عاذت به مريم؟ قال: قالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا}. 

قال سفيان: لم يقتل بعد سعيد بن جبير إلَّا رجلًا واحدًا». 

وفي روايةٍ أنَّ سعيد بن جبير رحمه الله قال للحجاج: «اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي». 

 و قيل أنَّ الحجاج كان إذا نام يراه في منامه يأخذ بمجامع ثوبه، فيقول: يا عدوَّ الله فيم قتلتني؟ فيقول: ما لي ولسعيد بن جبير! ما لي ولسعيد بن جبير! وذُكِر أنه مكث ثلاث ليالٍ لا ينام يقول ما لي ولسعيد بن جبير، وقد زاد ابن الجوزي: أنَّه كان يقول: ما لي ولسعيد بن جبير كلَّما أردت النوم أخذ برجلي.

 وأضاف ابن خلكان: أنَّه رُئِي الحجَّاج في النوم بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك. فقال: قتلني بكلِّ قتيلٍ قتلته قتلة، وقتلني بسعيد ابن جبير سبعين قتلة. 

حوار الحجاج مع سعيد بن جبير 

لما دخل الصحابي الجليل سعيد بن جبير على الحجاج دار بينهم حوار ماتعٌ و غريب. 

قال له الحجاج : أنت شقي بن كسير ؟!

( يعكس اسمه )

فرد سعيد : أمي أعلم بإسمي حين أسمتني .

فقال الحجاج غاضباً : " شقيت وشقيَت أمك !! "

فقال سعيد : " إنما يشقى من كان من أهل النار " ، فهل أطلعت على الغيب ؟

فرد الحجاج : " لأُبَدِلَنَّك بِدُنياك ناراً تلَظّى ! "

فقال سعيد : والله لو أعلم أن هذا بيدك لاتخذتك إلهاً يُعبَد من دون الله .

قال الحجاج : ما رأيك فيّ ؟

قال سعيد : ظالم تلقى الله بدماء المسلمين !

فقال الحجاج : أختر لنفسك قتلة ياسعيد !

فقال سعيد : بل أختر لنفسك أنت ! ، فما قتلتني بقتلة إلاقتلك الله بها !

فرد الحجاج : لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحداً قبلك، ولن أقتلها لأحد بعدك !

فقال سعيد : إذاً تُفسِد عليّ دُنياي، وأُفسِدُ عليك آخرتك .

ولم يعد يحتمل الحجاج ثباته فنادى بالحرس : جروه واقتلوه !!

فضحك سعيد ومضى مع قاتله

فناداه الحجاج مغتاظاً : مالذي يضحكك ؟

يقول سعيد : أضحك من جرأتك على الله، وحلم الله عليك !!

فاشتد غيظ الحجاج وغضبه كثيراً ونادى بالحراس : اذبحوه !!

فقال سعيد : وجِّهوني إلى القبله ، ثم وضعوا السيف على رقبته ، فقال : " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين ."

فقال الحجاج : غيّروا وجهه عن القبله !

فقال سعيد : " ولله المشرق والمغرب فأينما تُولّوا فثمّ وجه الله ."

فقال الحجاج : كُبّوه على وجهه !

فقال سعيد : "منها خلقناكم وفـ♡ـيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ."

فنادى الحجاج : أذبحوه ! ماأسرع لسانك بالقرآن ياسعيد بن جبير !

فقال سعيد : " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " . خذها مني يا حجاج حتى ألقاك بها يوم القيامـه !!

ثم دعا قائلاً : " اللهم لاتسلطه على أحد بعدي " .

وقُتل سعيد ....

والعجيب أنه بعد موته صار الحجاج يصرخ كل ليله : مالي ولسعيد بن جبير، كلما أردت النوم أخذ برجلي !

وبعد 15 يوماً فقط مات الحجاج ولم يُسلط على أحد من بعد سعيد ...



الحجاج و سعيد بن المسيب 

قيل أن   الحجاج صلى مرة بجانب سعيد بن المسيب قبل أن يكون الحجاج ذا منصب وسلطة فجعل يرفع قبل الإمام ويقع قبله في السجود. فلما سلم أخذ سعيد بطرف ردائه –وكان له ذكر بعد الصلاة _ ، فما زال الحجاج ينازعه بردائه، حتى قضى سعيد ذكره. ثم أقبل عليه سعيد فقال له: «يا سارق، يا خائن. تصلي هذه الصلاة؟ فوالله لقد هممت أن أضرب بهذا النعل وجهك». فلم يرد عليه. ثم مضى الحجاج إلى الحج، فعاد إلى الشام. ثم جاء نائباً على الحجاز. فلما قتل ابن الزبير، كر راجعاً إلى المدينة نائباً عليها. فلما دخل المسجد، إذا مجلس سعيد بن المسيب. فقصده الحجاج، فخشي الناس على سعيد منه. فجاء حتى جلس بين يديه، فقال له: «أنت صاحب الكلمات؟». فضرب سعيد صدره بيده وقال: «نعم». قال: «فجزاك الله من معلم ومؤدب خيراً. وما صليت بعدك صلاة إلا وأنا أذكر قولك». ثم قام ومضى.  

الحجاج و حرب الخوارج

في عام 76هـ وجه الحجاج زائدة بن قدامة الثقفي لقتال شبيب الشيباني، فكانت الغلبة لشبيب. و في السنة التي تليها بعث الحجاج لحرب شبيب: عتاب بن ورقاء الرباحي، الحارث بن معاوية الثقفي، أبو الورد البصري، طهمان مولى عثمان. فاقتتلوا مع شبيب في سواد الكوفة، فقتلوا جميعاً، و عندها قرر الحجاج الخروج بنفسه، فاقتتل مع شبيب أشد القتال، و تكاثروا على شبيب فانهزم و قتلت زوجته غزالة، فهرب شبيب إلى الأهواز، و تقوى فيها، غير أن فرسه تعثر به في الماء و عليه الدروع الثقيلة فغرق. و قضى الحجاج على من بقي من أصحابه.

و في 79 أو 80 هـ قُتل قطري بن الفجاءة رأس الخوارج، و أُتي الحجاج برأسه، بعد حرب طويلة.

فصاحة  هند بنت النعمان تغلب فصاحة الحجاج بن يوسف الثقفي / فصاحة إمرأة /كيدهن عظيم

عُرف عن هند بنت النعمان، أنها كانت أحلى نساء زمانها وأدهاهن وأذكاهن. كانت فصيحة اللسان وحسنة القوام وجميلة المنظر. سمع عنها والي الشام الحجاج بن يوسف الثقفي، فتزوجها وهي كارهة مغصوبة، خوفاً من غضبه وبطشه وجبروته وقسوته.


أنفق الحجاج مالاً كثيراً على زواجها وجعل مؤخر صداقها 200 ألف درهم... حملت هند بعد أن دخل بها الحجاج، وفي أحد الأيام رأى الحجاج زوجته وهي تنظر إلى حسن جمالها في المرأة وتقول:


وما هند إلا مهرةٌ عربيةٌ... سلالة أفراس تحللها بغل


فإن ولدت فحلاً فالله درها... وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل


غضب الحجاج غضباً شديداً، فنادى بشخص يدعى عبدالله بن الطاهر، وقال له طلقها بكلمتين، فذهب عبدالله إلى هند وقال لها إن الحجاج يقول لك: «كنت فبنت، وهذا مؤخر صداقك»!، فردت هند التي أشتهرت بفصاحتها: «كنا فما حمدنا، وبنا فما ندمنا، وهذه المئتا ألف درهم هي لك ببشارتك بخلاصي من كلب ثقيف»!


سمع الخليفة عبدالملك بن مروان بحكايتها وحسنها وجمالها، فأرسل إليها يخطبها لنفسه، فردت عليه قائلة: «اعلم يا أمير المؤمنين، ان الكلب ولغ - شرب بأطرف أسنانه وتقصد هنا الحجاج - الإناء». وكتبت له إن شرطي لقبول طلبك أن يقود الحجاج محملي إلى البلد الذي أنت فيه وهو حافي القدمين، وبنفس اللبس الذي كان يلبسه قبل أن يكون أميراً.


علم عبدالملك بن مروان بطلب هند وضحك ضحكاً شديداً، وأرسل إلى الحجاج يأمره بذلك، فما كان له إلا الامتثال والسمع والطاعة... فحمل هند وجواريها وخدمها وهو حافي القدمين كما أمرت... وقبل أن تصل إلى بلدة عبدالملك، رمت بمكرها ديناراً على الأرض، وقالت للحجاج انه قد سقط منا درهم فرجعه لنا، فنظر الحجاج إلى الأرض فلما يرى إلا ديناراً، وقال لها إنما هو دينار، فردت عليه: درهما، فقال لها بل دينار، فقالت وبفصاحتها ودهائها المعروفين: «الحمد لله سقط منا درهم فعوضنا الله ديناراً - أي أنها تزوجت أفضل من هو منه». فثأرت لنفسها وانتصرت على الحجاج، بينما أسر الحجاج هذا الموقف في نفسه!


أقام بعدها عبدالملك بن مروان احتفالا عظيماً، دعا إليه كل وجهاء القوم بمن فيهم الحجاج، إلا أن الحجاج لم يحضر، فأرسل عبدالملك إلى الحجاج رسولاً يأمره بالحضور، فرد الحجاج قائلا: لقد تأخرت على الوليمة، إننا قوم لا نأكل من فضلات الرجال. فهم عبدالملك مقصد الحجاج، فأمر أن توضع هند في أحد القصور ولم يدخل عليها، بل كان يزورها فقط بعد كل صلاة عصر.


علمت هند كيد الحجاج وما قام به مع الخليفة، وهي التي عرف عنها ذكاؤها وفطنتها وحسن تعاملها مع المواقف، فأمرت الجواري أن يخبروها عند قدوم الخليفة إلى القصر... فلما وصل الخليفة إلى القصر، قطعت عقداً من حبات اللؤلؤ متعمدة، ورفعت ثوبها لتجمع به اللآلئ، فأنبهر الخليفة بحسنها وجمال قوامها، ولاحظ أنها كل ما تجمع قطعة لؤلؤ تقول سبحان الله، فسألها الخليفة: لما تسبحين الله؟ فقالت: إن اللؤلؤ خلقه الله لزينة الملوك، ولكن شاءت الحكمة ألا يستطيع ثقبه إلا الغجر. انبهر الخليفة بحسن خطابها وبإسلوبها، فدخل عليها وانتهت إلى هنا الحكاية بعد أن انتصرت مرة أخرى على الحجاج. 

و قيل أن صاحبة القصة هي هند بنت المهلب بن أبي صفر 

و تنتمي هند إلى عائلة لها حسب ونسب بين الأعراب، والدها كان قائداً مغواراً وهو المهلب بن أبي صفرة المعروف بشهامته وشجاعته، قيل عنها أنها من أجمل نساء العرب لشدة جمالها وحسن مظهرها، وكانت بالإضافة إلى ذلك تتمتع بالفصاحة والرد السريع البليغ والفطنة والحكمة.

ومن المواقف التي تدل على دهائها، عندما أمر عمر بن عبد العزيز بسـجـ ـن أخيها يزيد، فما كان منها إلا وذهبت لمقابلة عمر، حيث قالت له : يا أمير المؤمنين لماذا سجـــ ـنت أخي ؟ فأجابها: تخوفت أن يشق عصا المسلمين، فردت عليه: العـ ـقوبة قبل الذنب أو بعد الذنب، فأفرج عمر عن أخيها.


و قد أعجب الحجاج بن يوسف الثقفي بهند بنت المهلّب، وتزوجها رغم أنها لم تكن راضيةً تماماً على الزواج به، إذ أن الحجاج بن يوسف عندما ذهب لخطبتها طلب من الخليفة عبد الملك بن مروان أن يكتب لوالدها كتاباً كي يزوجه هند.

وعندما ذهب الحجاج بكتابه للمهلب، علمت هند بالأمر، وهي لم تكن راضية، لكنها لم تكن تستطيع هي ووالدها على رفض كتاب الخليفة، فطلبت من الحجاج تمـ.ـزيق الكتاب ثم قبلت بالزواج منه.

بعد عام واحد من الزواج بينهما، كانت هند تقف أمام المرآة، وتردد أبياتاً من الشعر، تعبر فيها عن مدى إعجابها بجمالها، ومدى كرهـ ـها للحجاج، وقد رأته في المرآة يسمع ماتقول، لكنها تابعت أبيات الشعر الشهيرة التي قالت فيها:


وما هند إلا مهرةٌ عربيةٌ.. سليلة أفراسٍ تحللها بغل.. فإن أتها مهر فلله دره.. وإن أتاها بغل فمن ذلك البغل.


وحين أنهت أبيات الشعر، غضـ ـب الحجاج غضـ ـباً شديداً، وتوجه إلى أحد خدمه وقال له، اذهب إلى هند وبلغها أني طلقتها بكلمتين فقط، وأعطاه مؤخر مهرها ليسلمها إياه.

وبالفعل، ذهب الخادم فقال لها: “كنت فبنت”، وقصد بهذه العبارة أنها كانت متزوجة وعلى ذمة الحجاج، وقد انحل الزواج وبان وأصبحت هي طالق.

لشدة فصاحتها وفطنتها ردت عليه بقولها: “كنا فما فرحنا … فبنا فما حزنا” ثم أعطت الخادم مؤخر مهرها كاملاً، كمكافأة على “البشرى” التي قدم إليها بها، وهي انحلال عقدها مع الحجاج

بقيت هند بعد ذلك مدة طويلة بدون زواج، إذ لم يتجرّأ أحد على التقدم لخطبتها وهي طليقة الحجاج بن يوسف الثقفي المعروف ببطـ.ـشه وجبـ.ـروته.

لم يرق الأمر لهند، ونظراً للدهاء الكبير الذي تتمتع به، رسمت على من هو أفضل وأكبر مقاماً من الحجاج، من لن يجرؤ الحجاج على أن يعارض زواجه بها،

نعم إنه الخليفة عبد الملك بن مروان

كي يتحقق لهند ما أرادت، أعلنت عن تقديم جوائز مالية كبيرة لكل شاعر يمتدحها في بلاط الخليفة عبد الملك بن مروان، وهو ما كان بالفعل، إذ قام العديد من شعراء ذاك الزمان بمدح جمالها وذكائها أمام الخليفة، حتى أعجب بها عبد الملك، وقرر أن يتعرف عليها عن قرب.

وكتب عبد الملك إلى المهلب خاطباً ابنته، فردّت هند على طلبه برسالة قالت فيها: “بعد الثناء على الله والصلاة على نبيه محمد صل الله عليه وسلم، اعلم يا أمير المؤمنين أن الكلب ولغ في الإناء”.

ولا يقل عبد الملك بن مروان دهاءاً عن هند، ففهم ما ترمي إليه، ورد عليها بقوله: قال رسول الله صل الله عليه وسلم “إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب”

فأجابت هند على رسالته :”بعد الثناء على الله والصلاة على نبيه محمد صل الله عليه وسلم، فإني لا أجري العقد إلا بشرط، فإن قلت ما الشرط ؟ أقول : أن يقود الحجاج محملي إلى بلدك التي أنت فيها، ويكون حافي القدمين بلباسه الذي كان يلبسه قبل أن يصبح والياً”.

ولشدة إعجاب عبد الملك بن مروان بها، نفذ الشرط الذي طلبته، وأرسل إلى الحجاج يأمره بما طلبت ولم يستطع الحجاج الرفض وفعل.

قاد الحجاج بن يوسف القافلة التي فيها هند، وفي تلك الأثناء أماطت الستار لترى الحجاج وضحكت كيـ.ـداً له فقال هذا البيت من الشعر فيها: “فإن تضحكي يا هند رب ليلة.. تركتك فيها تسهرين نواحا”.

فردت هند عليه :” وما نبالي إذا أرواحنا سلمت.. مما فقدناه من مال ومن نسب.. المال مكتسب والعز مرتجع.. إذا شفي المرء من داء ومن عطـ.ـب”.

وعندما انهت أبيات شعرها، قامت بإلقاء دينار على الأرض، وقالت للحجاج وقع مني درهم فأعطيني إياها، فرد عليها

أنه دينار وليس درهم، فنطرت إليه نظرة كيدية فيها الكثير من التشـ.ـفي وقالت له: “الحمد لله الذي أبدلني الدرهم دينار”.

بعد وصول القافلة التي تقل العروس الجديدة للخليفة وجهازها إلى قصر الخلافة الذي كان يقيم فيه عبد الملك بن مروان، كان قد أعد وليمة للرجال، فتعمد الحجاج على أن يتأخر عنها، لذا لم يدخل بلاط الخليفة.

وعندما لم يجده الخليفة بين الناس، سأل عنه ثم أرسل في طلبه ليشارك بالوليمة، فردّ الحجاج بقوله “ربتني أمي على أن لا آكل فضـ.ـلات الرجال”، وهي إشارة إلى أن عبد الملك بن مروان سيتزوج من هند بنت المهلب بعد الحجاج الذي لم يكن راضياً عن ذلك الزواج لكن لا يستطيع أن يفعل شيئاً.

فهم عبد الملك ما أراده الحجاج، وبالفعل، لم يقترب من هند لعدة أيام وكان يكتفي بزيارتها، إلى أن بدأت هند تسأل في القصر عن السبب، فوصلها ما كان بين عبد الملك وبين الحجاج.

بعدما علمت هند بالأمر، فكّرت ودبّرت حلاً له، ثم أرسلت في طلب الخليفة عبد الملك بن مروان من أجل أن تراه، وما إن دخل عليها حتى قطـ.ـعت عقداً من اللؤلؤ كانت ترتديه، ورفعت ثوبها كي تجمع حبات اللؤلؤ فيه.

عندما رفعت الثوب تبيّن لعبد الملك مفاتنها وحسنها، وجلست على الأرض تلمّ حبّات اللؤلؤ وهي تقول: “سبحان الله فقال لها عبد الملك لم تسبحين فقالت: “إن هذا اللؤلؤ خلقه الله لزينة الملوك”، فقال : نعم، فقالت: ولكن شاءت حكمته ألا يثقبه إلا الغجر، فقال لها: صدقت والله، قبـ ـّح الله من لامني فيك، ودخل بها.


موت الحجاج بن يوسف الثقفي /نهاية الطاغية

كانت نهاية هذا الطاغية بمرض الأكلة التي وقعت في بطنه ، فدعا الطبيب لينظر إليه فأخذ لحماً و علَّقه في خيط و سَرحه في حلقه و تركه ساعة ثم أخرجه و قد لصق به دود كثير ، و سلّط الله عليه الزمهرير ، فكانت الكوانين تجعل حوله مملوءة ناراً و تُدَّنى منه حتى تحرق جلده و هو لا يَحُسُّ بها ، فشكا من حاله و ما يعاني من شدة الألم إلى الحسن البصري .

فقال له الحسن البصري : قد كنتُ نهيتُك ألا تتعرّض إلى الصالحين فلججت .

فقال له : يا حسن ، لا أسألك أن تسأل الله أن يفرّج عنّي ، و لكني أسألك أن تسأله أن يُعجِّل قبض روحي و لا يطيل عذابي .

و بقي الحجاج على هذه الحالة و بهذه العلة خمسة عشر يوماُ ، و توفي في شهر رمضان سنة : 95 هجرية في مدينة واسط 1 و دفن بها و عُفيَ قبره.


و قيل أن  أبو المنذر  يعلى بن مخلد المجاشعي دخل على الحجاج في مرضه التي احتضر فيه فقال: كيف ما بك يا حجاج من خمرات الموت و سكراته ؟؟

فقال الحجاج: يا يعلى غما شديدا و جهدا جهيدا و ألما مضيضا و نزعا جريضا و سفرا طويلا و زادا قليلا فويلي ويلي إن لم يرحمني الجبار

فقال له يعلى في تلك اللحظة القاسية:

يا حجاج إنما يرحم الله من عباده الرحماء الكرماء أولي الرحمة و الرأفة و التحنن و التعطف على عباده و خلقه أشهد أنك قرين فرعون و هامان لسوء سيرتك و ترك ملتك و تنكبك عن قصد الحق و سنن المحجة و آثار الصالحين قتلت صالحي الناس فأفنيتهم و أبرت عترة التابعين فبترتهم و أطعت المخلوق في معصية الخالق و هرقت الدماء و ضربت الأبشار و هتكت الأستار و سست سياسة لا الدين أبقيت و لا الدنيا ادركت أعززت بني مروان و أذللت نفسك و عمرت دورهم و أخربت دارك فاليوم لا ينجونك و لا يغيثونك إذ لم يكن لك في هذا اليوم و لا لما بعده نظر 

لقد كنت لهذه الأمة اهتماما و اغتماما و عناء و بلاء فالحمد لله الذي أراحها بموتك و أعطاها مناها بخزيك

فسكت الحجاج و تنفس الصعداء و خنقته العبرة ثم رفع رأسه فنظر إلى يعلى و قال:


رب إن العباد قد أيأسوني و رجائي لك الفداة عظيم


و دعا فقال: اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل و صار يردد هذين البيتين :

 

يا رب قد حَلفَ الأعداء و اجتهدوا 

أيمانَهمْ أنني من ساكني النارِ

أيحلفون على عمياءَ ويحهمُ !!

ما ظنهم بعظيم العفو غفارِ

  

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

التنقل السريع