القائمة الرئيسية

الصفحات

طرائف الحجاج بن يوسف الثقفي /فصاحة الحجاج بن يوسف الثقفي

 

طرائف الحجاج

الحجاج بن يوسف الثقفي هو من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل بما تحمله سيرته من التناقضات ما بين سفك الدماء والجهاد وتعليم القرآن الكريم، وبين ظلمه وجبروته وبين لينه أحيانًا وسكوته. و تجد حياته حافلة بمواقف تُظهر تلك التناقضات كما تشهد على بلاغته و فطنته. 

الحجاج و الأعرابي 

تفرد الحجَّاج يومًا عن عسكرهِ، فلقي أعرابيًّا، فقال له: كيف الحجَّاج؟

قال: ظالمٌ غاشم. قال: فهلاَّ شكوتموه إلى عبدالملك.

قال: هو أظلم وأغشم. فأحاط به العسكر، قال: أركبوا البدوي. فلما ركب سأل عنه، فقيل له: هذا الحجَّاج. فركض خلفه وقال: يا حجَّاج. قال: ما لك؟ قال: السرُّ الذي بيني وبينك لا يطَّلع عليه أحد. فضحك منه وأطلقه.

الجارية التي أبكت الحجاج 

يروى أن  الخليفة عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج يأمره بقتل "أسلم بن عبد البكري" لشيء بلغه عنه، فاحضره الحجاج لينفذ عليه الحكم الذي أمره به الخليفة، فقال له أسلم: أمير المؤمنين غائب وانت حاضر، والله تعالى يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا "، والذي بلغه عني باطل، فاكتب إلى أمير المؤمنين أني أعول أربعًا وعشرين امرأة وهن بالباب، فدخلن على الحجاج، ومنهما أمه وعمته وزوجته وابنته وكان في آخرهن جارية، فتاة صغيرة لا تتجاوز العشر سنوات، فسألها الحجاج: من أنت منه؟ فقالت: ابنته، أصلح الله الأمير! ثم أنشدت قائلة:

أحجاج لم تشهد مقام بناته...وعماته يندبنه الليل أجمعًا

أحجاج لم تقتل به إن قتلته...ثمانًا وعشرًا وأثنتين وأربعا

أحجاج من هذا يقوم مقامه...علينا فمهلًا إن تزدنا تضعضعا

أحجاج إما أن تجود بنعمة...علينا وإما أن تقتلنا معًا

فبكى الحجاج وقال: والله لا أعنت الدهر عليكن ولا زدتكن تضعضعًا،(والتضعضع هو الخضوع والذل والفقر) ثم كتب إلى عبد الملك بن مروان بقصة الرجل والفتاة، فكتب إليه عبد الملك: إن كان الأمر كما ذكرت فأحسن صلته وتفقد الجارية، ففعل.

الحجاج و الغلام 

ﮔﺎﻥ الحجاج بن يوسف ذات يوم في الصيد فرأى تسعة كلاب إلى جانب صبي صغير السن عمره نحو عشر سنوات وله ذوائب.

فقال له الحجاج : ماذا تفعل هنا أيها الغلام ؟

فرفع الصبي طرفه إليه وقال له : يا حامل الأخبار لقد نظرت إلىّ بعين الاحتقار وكلمتني بالافتخار وكلامك كلام جبار وعقلك عقل حمار.

فقال الحجاج له : أما عرفتني ؟

فقال الغلام : عرفتك بسواد وجهك لأنك أتيت بالكلام قبل السلام.

فقال الحجاج ׃ ويلك أنا الحجاج بن يوسف.

فقال الغلام : لا قرب الله دارك ولا مزارك فما أكثر كلامك وأقل إكرامك .

فما أتم كلامه إلا والجيوش حلّقت عليه من كل جانب وكل واحد يقول السلام عليك يا أمير المؤمنين ،

فقال الحجاج: احفظوا هذا الغلام فقد أوجعني بالكلام فأخذوا الغلام فرجع الحجاج إلى قصره فجلس في مجلسه والناس حوله جالسون ومن هيبته مطرقون وهو بينهم كالأسد ثم طلب إحضار الغلام فلما مثل بين يديه ،ورأى الوزراء و أهل الدولة لم يخشى منهم

بل قال : السلام عليكم فلم يرد الحجاج السلام فرفع الغلام رأسه وأدار نظره فرأى بناء القصر عالياً ومزين بالنقوش والفسيفساء وهو في غاية الإبداع والإتقان.

فقال الغلام : أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاستوى الحجاج جالساً وكان متكئاً

فقالوا للغلام : يا قليل الأدب لماذا لم تسلم على أمير المؤمنين السلام اللائق ولماذا لم تتأدب في حضرته ؟

فقال الغلام : يا براغيث الحمير منعني عن ذلك التعب في الطريق وطلوع الدرج أما السلام فعلى أمير المؤمنين وأصحابه ، يعني السلام على علىّ بن أبى طالب وأصحابه

فقال الحجاج : يا غلام لقد حضرت في يوم تم فيه أجلك وخاب فيه أملك.

فقال الغلام : والله يا حجاج أن كان في أجلي تأخير لم يضرني من كلامك لا قليل ولا كثير.

فقال بعض الغلمان : لقد بلغت من جهلك يا خبيث أن تخاطب أمير المؤمنين كما تخاطب غلاماً مثلك يا قليل الآداب انظر من تخاطب وأجبه بأدب واحترام فهو أمير العراق والشام.

فقال الغلام : أما سمعتم قوله تعالى ” كل نفس تجادل عن نفسها”

فقال الحجاج : فمن عنيت بكلامك أيها الغلام ؟

قال : عنيت به على بن أبى طالب وأصحابه وأنت يا حجاج على من تسلم ؟

فقال الحجاج : على عبدالملك بن مروان.

فقال الغلام : عبدالملك الفاجر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

فقال الحجاج : ولم ذلك يا غلام ؟

فقال : لأنه أخطأ خطيئة عظيمة مات بسببها خلق كثير فقال بعض الجلساء اقتله يا أمير المؤمنين فقد خالف الطاعة وفارق الجماعة وشتم عبدالملك بن مروان.

فقال الغلام : يا حجاج أصلح جلسائك فإنهم جاهلون فأشار الحجاج لجلسائه بالصمت.

ثم سأله الحجاج : هل تعرف أخي؟

فقال الغلام : أخوك فرعون حين جاءه موسى وهارون ليخلعوه عن عرشه فاستشار جلسائه.

 فقال الحجاج : اضربوا عنقه.

فقال له الرقاشي : هبني إياه يا أمير المؤمنين أصلح الله شأنك.

فقال الحجاج : هو لك لا بارك الله فيه.

فقال الغلام : لا شكر للواهب ولا للمستوهب.

فقال الرقاشي :أنا أريد خلاصك من الموت فتخاطبني بهذا الكلام ثم التفت الرقاشي إلى الحجاج وقال له: افعل ما تريد يا أمير المؤمنين.

فقال الحجاج للغلام : من أي بلد أنت ؟

فقال للغلام: من مصر.

فقال له الحجاج : من مدينة الفاسقين .

 فقال الغلام : ولماذا أسميتها مدينة الفاسقين ؟

قال الحجاج : لأن شرابها من ذهب ونسائها لعب ونيلها عجب وأهلها لا عجم ولا عرب.

فقال الغلام : لستُ منهم.

فقال الحجاج : من أي بلد إذن ؟

قال الغلام : أنا من أهل خرسان.

فقال الحجاج : من شر مكان وأقل الأديان.

فقال الغلام : ولم ذلك يا حجاج ؟

فقال : لأنهم عجم أعجام مثل البهائم والأغنام كلامهم ثقيل و غنيهم بخيل.

فقال الغلام : لستُ منهم.

فقال الحجاج : من أين أنت ؟

قال : أنا من مدينة الشام.

قال الحجاج : أنت من أحسن البلدان وأغضب مكان وأغلظ أبدان .

قال الغلام : لستُ منهم.

قال الحجاج : فمن أين إذن؟

قال الغلام : من اليمن.

فقال الحجاج : أنت من بلد غير مشكور.

قال الغلام: ولم ذلك؟

قال الحجاج : لأن صوتهم مليح و عاقلهم يستعمل الزمر و جاهلهم يشرب الخمر.

قال الغلام : أنا لستُ منهم.

 قال الحجاج : فمن أين إذن؟

قال الغلام : أنا من أهل مكة.

فقال الحجاج : أنت إذن من أهل اللؤم والجهل وقلة العقل.

فقال الغلام : ولم ذلك ؟

قال : لأنهم قوم بعث فيهم نبي كريم فكذبوه وطردوه وخرج من بينهم إلى قوم أحبوه وأكرموه.

فقال الغلام : أنا لستُ منهم.

فقال الحجاج : لقد كثرت جواباتك علي وقلبي يحدثني بقتلك.

فقال الغلام : لو كان أجلي بيدك لما عبدت سواك ولكن اعلم يا حجاج أني أنا من أهل طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال الحجاج : نعمت المدينة أهلها أهل الإيمان والإحسان فمن أي قبيلة أنت ؟

فقال الغلام : من ثلى بنى غالب من سلالة علي بن أبى طالب عليه السلام وكل نسب وحسب ينقطع إلا حسبنا و نسبنا فإنه لا ينقطع إلى يوم القيامة فاغتاظ الحجاج غيظاً شديداً وأمر بقتله.

فقال له كل من حضر من الوزراء : ولكنه لا يستحق القتل وهو دون سن البلوغ أيها الأمير.

فقال الحجاج : لا بد من قتله ولو يناد منادى من السماء.

فقال الغلام: ما أنت بنبي حتى يناديك مناد من السماء.

فقال الحجاج : ومن يحول بيني وبين قتلك.

فقال الغلام : يحول بينك وبين قتلي ما يحول بين المرء وقلبه.

فقال الحجاج : وهو الذي يعينني على قتلك.

 فقال الغلام : كلا إنما يعينك على قتلي شيطانك و أعوذ بالله منك ومنه.

 فقال الحجاج : أراك تجاوبني على كل سؤال فأخبرني ما يقرب العبد من ربه؟

فقال الغلام : الصوم والصلاة والزكاة والحج .

فقال الحجاج: أنا أتقرب إلى الله بدمك لأنك قلت أنك من أولاد الحسن والحسين.

فقال الغلام : من غير خوف ولا جزع أنا من أولاد رسول الله صلى الله عليهالة وسلم إن كان أجلي بيدك فقد حضر شيطانك يعينك على فساد آخرتك.

فأجابه الحجاج : أتقول أنك من أولاد الرسول وتكره الموت؟

قال الغلام : قال الله تعالى ” ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة”

 قال الحجاج : ابن من أنت ؟

قال الغلام : أنا ابن أبي و أمي.

فسأله الحجاج : من أين جئت ؟

قال الغلام : على رحب الأرض.

فقال الحجاج : أخبرني من أكرم العرب؟

فأجاب الغلام : بنو طي .

 فسأله الحجاج : ولم ذلك ؟

فقال الغلام: لأن حاتم الأصم منهم.

فقال الحجاج : فمن أشرف العرب ؟

قال الغلام : بنو مضر.

فقال الحجاج : ولم ذلك؟

فقال الغلام : لأن محمد صلى الله عليه وسلم منهم.

فقال الحجاج : فمن أشجع العرب ؟

فقال الغلام : بنو هاشم لأن علي بن أبي طالب منهم .

فقال الحجاج: فمن أنجس العرب و أبخلهم وأقلها خيراً ؟

فقال الغلام : بنو ثقيف لأنك أنت منهم وفي الحديث الشريف يظهر من بنو ثقيف نمرود وكذاب فالكذاب مسيلمة والنمرود أنت فأغتاظ الحجاج غيظاً شديداً وأمر بقتله فشفع به الحاضرون فشفعهم فيه وسكن غضبه قليلاً ؛؛ֵ

وقال الحجاج : أين تركت الإبل ذات القرون ؟

فقال الغلام : تركتها ترعى أوراق الصوان.

فصاح الحجاج به قائلاً : يا قليل العقل ويا بعيد الذهن هل للصوان ورق؟

فقال الغلام : وهل للإبل قرون ؟

 فقال الحجاج : هل حفظت القرآن ؟

فقال الغلام : هل القرآن هارب منى حتى أحفظه.

فسأله الحجاج : هل جمعت القرآن ؟

فقال الغلام : وهل هو متفرق حتى أجمعه ؟

فقال له الحجاج : أما فهمت سؤالي .

فأجابه الغلام : ينبغي لك أن تقول هل قرأت القرآن وفهمت ما فيه.

فقال الحجاج : فأخبرني عن آية في القرآن أعظم؟ وآية أحكم؟

وآية أعدل ؟ وآية أخوف ؟ وآية أرجى ؟ وآية فيها عشر آيات بينات؟ وآية كذب فيها أولاد الأنبياء؟ وآية صدق فيها اليهود والنصارى ؟ وآية قالها الله تعالى لنفسه؟ وآية فيها قول الملائكة؟ و آية فيها قول أهل الجنة؟ وآية فيها قول أهل النار؟ وآية فيها قول إبليس ؟؟؟

فقال الغلام : أما أعظم آية فهي آية الكرسي

وأحكم آية إن الله يأمر بالعدل والإحسان

وأعدل آية فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره

وأخوف آية أيطمع كل امرىء منهم أن يدخل جنة نعيم

وأرجى آية قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعها

وآية فيها عشر آيات بينات هي إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب

وأما الآية التي كذب فيها أولاد الأنبياء فهي وجاءوا على قميصه بدم كذب وهم إخوة يوسف كذبوا ودخلوا الجنة

وأما الآية التي صدق فيها اليهود والنصارى فهي وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء فصدقوا ودخلوا النار

والآية التي قالها الله تعالى لنفسه هي وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطمعون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين

وآية فيها قول الأنبياء وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فل يتوكل المؤمنون

وآية فيها قول الملائكة سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم

و أية فيها قول أهل الجنة الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور

 وآية فيها قول أهل النار ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون

وآية فيها قول إبليس أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين

فقال الحجاج : أخبرني عمن خُلق من الهواء ؟ ومن حُفظ بالهواء ؟ ومن هلك بالهواء ؟

فقال الغلام : الذي خلق من الهواء سيدنا عيسى عليه السلام؛؛ والذي حفظ بالهواء سيدنا سليمان بن داود عليهما السلام ؛ وأما الذي هلك بالهواء فهم قوم هود.

فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من الخشب ؟ والذي حُفظ بالخشب ؟ والذي هلك بالخشب ؟

فقال الغلام : الذي خلق من الخشب هي الحية خلقت من عصا موسى عليه السلام؛؛ والذي حفظ بالخشب نوح عليه السلام؛؛ والذي هلك بالخشب زكريا عليه السلام.

فقال الحجاج: فأخبرني عمن خُلق من الماء ؟ ومن نجا من الماء ؟ ومن هلك بالماء ؟

فقال الغلام: الذي خلق من الماء فهو أبونا آدم عليه السلام؛؛ والذي نجا من الماء موسى عليه السلام؛؛ والذي هلك بالماء فرعون.

فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من النار ؟ ومن حُفظ من النار ؟

فقال الغلام : الذي خُلق من النار إبليس؛؛ والذي نجا من النار إبراهيم عليه السلام.

فقال الحجاج : فأخبرني عن أنهار الجنة وعددها ؟

فقال الغلام : أنهار الجنة كثيرة لا يعلم عددها إلا الله تعالى كما قال في كتابه العزيز فيها انهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى… وكلها تجري في محل واحد لا يختلط بعضها ببعض ويوجد نظيره في الدنيا وهو في رأس بنى آدم طعم عينه مالح وطعم أذنه مر وطعم فمه عذب .

فقال الحجاج : إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون فهل يوجد مثلهم في الدنيا ؟

فقال الغلام : الجنين في بطن أمه يأكل ويشرب ولا يتغوط.

فقال الحجاج : فما أول قطرة من دم؟

فقال الغلام : هي حيض حواء.

فقال الحجاج : فأخبرني عن العقل ؟ والإيمان ؟ والحياء ؟ والسخاء ؟ والشجاعة ؟ والكرم؟ والشهوة ؟

فقال الغلام : إن الله قسم العقل عشرة أقسام جعل تسعة في الرجال وواحداً في النساء ؛؛والإيمان عشرة تسعة في اليمن وواحداً في بقية الدنيا؛؛ والحياء عشرة تسعة في النساء وواحداً في الرجال؛؛ والسخاء عشرة تسعة في الرجال وواحداً في النساء؛؛ والشجاعة والكرم عشرة تسعة في العرب وواحداً في بقية العالم؛؛ والشهوة عشرة أقسام تسعة في النساء وواحداً في الرجال.

فقال الحجاج : فأخبرني ما يجب على المسلم في السنة مرة ؟

فقال الغلام : صيام رمضان.

فقال الحجاج : وما يجب في العمر مرة ؟

فقال الغلام : الحج إلى بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا .

فقال الحجاج : فأخبرني عن أقرب شيء إليك ؟

فقال الغلام : الآخرة .

ثم قال الحجاج: سبحان الله يأتي الحكمة من يشاء من عباده ما رأيت صبياً أتاه الله العلم والعقل والذكاء مثل هذا الغلام.

فقال الغلام : أنا أهل لذلك.

فقال الحجاج : فمن أحق الناس بالخلافة ؟

فقال الغلام : الذي يعفو ويصفح ويعدل بين الناس.

فقال الحجاج : فأخبرني عن النساء ؟

فقال الغلام : أتسألني عن النساء وأنا صغير لم أطـّلع بعد على أحوالهن و رغائبهن ومعاشرتهن ولكني سأذكر لك المشهور من أمورهن؛؛ فبنت العشر سنين من الحور العين؛؛ وبنت العشرين نزهة للناظرين؛؛ وبنت الثلاثين جنة نعيم ؛؛وبنت الأربعين شحم ولين؛؛ وبنت الخمسين بنات وبنين؛؛ وبنت الستين ما بها فائدة للسائلين؛؛ وبنت السبعين عجوز في الغابرين؛؛ وبنت التسعين شيطان رجيم؛؛ وبنت المائة من أصحاب الجحيم.

فضحك الحجاج وقال:أي النساء أحسن؟

فقال الغلام : ذات الدلال الكامل والجمال الوافر والنطق الفصيح التي يهتز نهدها ويرتاح ردفها.

فقال له الحجاج : أخبرني عن أول من نطق في الشعر؟

فقال الغلام : آدم عليه السلام وذلك لما قتل قابيل أخاه هابيل.

أنشد آدم يقول :

بكــت عــينـي وحـق لـها بكاهـــا *** ودمــــع الـــعـــين منهمل يسيح

فـــمـا لـي لا أجــود بسـكـب دمع *** و هـابــيل تضمّنـه الـضــريـــــح

رمــى قــابـيـل هـــابــيــلاً أخـــاه *** وألحد في الثرى الوجه الـصبيح

تغـــيرت البـــلاد ومـــن عـــليها *** فــوجــــه الأرض مــغــبر كشيح

تـــبدل كـــل ذي طــعــم ولــــون *** لـــفـقـدك يا صــبــيـح يا ملــــيح

أيا هـــــابــيل إن تــقــتـل فإنــــي *** عـــليك الــــدهر مكتـئـب قريــح

فأنت حياة من في الأرض جميعاً *** وقــــد فــقـدوك يا روح وريـــح

وأنـــت رجــيــح قــدر يـا فصيح *** سلـــيم بـل ســـميح بــل صبيـــح

ولــــسـت مــيـت بـــــل أنت حي *** و قــابــيــل الشــقي هو الطريـح

علـــــيه السخــط من رب البرايا *** و أنت عـــليـــك تسليم صريـــح

فأجابه إبليس يقول :

تـنوح على البلاد ومن عليها *** وفي الفردوس قد ضاق بك الفسيح

وكـــنت بها وزوجك في نعيم *** مــن الــمــولـى وقـلـبك مسـتريـــح

خـدعتك في دهائي ثم مكري *** إلــــى أن فـــاتـك الــعيــش الرشيح

فقال الحجاج : أخبرني يا غلام عن أجود بيت قالته العرب في الكرم ؟

فقال الغلام : هو بيت حاتم طي.

حيث يقول:ـــ

وأكرم الضيف حتما حين يطرقني *** قبل العيال على عسر و إيسار

فقال الحجاج : أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك فوجب علينا إكرامك ثم أمر له بألف دينار وكسوة حسنة

و جارية وسيف وفرس.

وقال الحجاج في نفسه : إن أخذ الفرس نجا وإن أخذ غيرها قتلته فلما قدمها له.

ثم قال الحجاج : خذ ما تريد يا غلام فغمزته الجارية.

وقالت : خذني أنا خير من الجميع فضحك الغلام وقال ليس لي بك حاجة وأنشد يقول :ـــ

و قــرقعــت اللجان بـــرأس حــمراً *** أحــــب إلىّ مــما تــغــمـزني

أخـاف إذا وقعــت عــــلى فراشــي *** وطالت علتي لا تصحبينـــي

أخـــاف إذا وقــعــنا فــي مضـــيـق *** وجار الدهر بي لا تنصريني

أخـــاف إذا فـقــدت المــال عــندي *** تــمــيلي للخصام وتهجريني

فأجابته الجارية تقول :ــ

معاذ الله أفـــعــــل مـــا تــــقــول *** ولو قطعت شمالي مع يميني

وأكتم سر زوجــي فــي ضميري *** وأقـــنع باليسير وما يــجيني

إذا عاشـــرتني وعرفت طـــبعي *** ستــعــلم أنـــني خــير القرين

فقال الحجاج : ويلك ألا تستحين تغمزينه وتجاوبينه بالشعر.

فقال الغلام : إن كنت تخيرني فإنني أختار الفرس أما إن كنت ابن حلال فتعطيني الجميع.

فقال الحجاج : خذهم لا بارك الله لك فيهم.

فقال الغلام : قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرة أخرى.

ثم قال الغلام : من أين أخرج يا حجاج ؟

فأجابه الحجاج : أخرج من ذاك الباب فهو باب السلام.

فقال الجلساء للحجاج : هذا جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبك وأخذ مالك فتدله على باب السلام ولم تدله على باب النقمة والعذاب ؟

فقال الحجاج : إنه استشارني والمستشار مؤتمن…

وخرج الغلام من بين يدي الحجاج سالماً غانماً بفضل ذكائه وفهمه ومعرفته وحسن إطلاعه .


الحجاج بن يوسف الثقفي و سعيد بن جبير

بعد أن أخمد الحجاج ثورة الأشعث و قتل كثير ممن اتبعه و أُتي بسعيد بن جبير في قيوده فلما دخل سعيد بن جبير على الحجاج دار بينهم حوار ماتعٌ و غريب. 

قال له الحجاج : أنت شقي بن كسير ؟!

( يعكس اسمه )

فرد سعيد : أمي أعلم بإسمي حين أسمتني .

فقال الحجاج غاضباً : " شقيت وشقيَت أمك !! "

فقال سعيد : " إنما يشقى من كان من أهل النار " ، فهل أطلعت على الغيب ؟

فرد الحجاج : " لأُبَدِلَنَّك بِدُنياك ناراً تلَظّى ! "

فقال سعيد : والله لو أعلم أن هذا بيدك لاتخذتك إلهاً يُعبَد من دون الله .

قال الحجاج : ما رأيك فيّ ؟

قال سعيد : ظالم تلقى الله بدماء المسلمين !

فقال الحجاج : أختر لنفسك قتلة ياسعيد !

فقال سعيد : بل أختر لنفسك أنت ! ، فما قتلتني بقتلة إلاقتلك الله بها !

فرد الحجاج : لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحداً قبلك، ولن أقتلها لأحد بعدك !

فقال سعيد : إذاً تُفسِد عليّ دُنياي، وأُفسِدُ عليك آخرتك .

ولم يعد يحتمل الحجاج ثباته فنادى بالحرس : جروه واقتلوه !!

فضحك سعيد ومضى مع قاتله

فناداه الحجاج مغتاظاً : مالذي يضحكك ؟

يقول سعيد : أضحك من جرأتك على الله، وحلم الله عليك !!

فاشتد غيظ الحجاج وغضبه كثيراً ونادى بالحراس : اذبحوه !!

فقال سعيد : وجِّهوني إلى القبله ، ثم وضعوا السيف على رقبته ، فقال : " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين ."

فقال الحجاج : غيّروا وجهه عن القبله !

فقال سعيد : " ولله المشرق والمغرب فأينما تُولّوا فثمّ وجه الله ."

فقال الحجاج : كُبّوه على وجهه !

فقال سعيد : "منها خلقناكم وفـ♡ـيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ."

فنادى الحجاج : أذبحوه ! ماأسرع لسانك بالقرآن ياسعيد بن جبير !

فقال سعيد : " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " . خذها مني يا حجاج حتى ألقاك بها يوم القيامـه !!

ثم دعا قائلاً : " اللهم لاتسلطه على أحد بعدي " .

وقُتل سعيد ....

والعجيب أنه بعد موته صار الحجاج يصرخ كل ليله : مالي ولسعيد بن جبير، كلما أردت النوم أخذ برجلي !

وبعد 15 يوماً فقط مات الحجاج ولم يُسلط على أحد من بعد سعيد ...

الحجاج والمرأة الفصيحة

جاءت امرأة إلى الحجّاج بن يوسف الثّقفي تلتمس أن يُطلِق صَراح زوجها وأخيها وابنها الذين كان قد أسَرَهم بعد انتصاره في معركة وادي الجماجم ، فقال لها ׃ مادامت لك الشجاعة لتواجهي الأمير فإني سأقبل أنْ أفرّج عن أحدِهم فأيّهم تختارين? فكرت المرأة لوهلة ثُم قالت׃ الزوج موجود والابن مولود والأخ مفقود، أختار الأخ . فأُعْجبَ الحجاجُ بجوابها و أفرج عن الثلاثة.


الحجاج و الغلامان

أمر الحجاج بن يوسف الثقفي اثنين من غلمانه أن يمثلا بين يديه وأمر كل واحد منهما أن يهجوَ الآخر وكان أحدهما أسود البشرة والثاني أبيضها فقال صاحب البشرة السوداء׃

ألَمْ ترَ أنّ المسكَ لا شيءَ مثله ٭٭٭٭٭ وأن بياضَ اللفتٍ حٍمْل بدرهم

وأنّ سوادَ العينٍ لا شك نورُها ٭٭٭٭٭ وأنّ بياضَ العين لا شيءَ فاعلم

فقال صاحب البشرة البيضاء׃

ألمْ ترَ أن البدرَ لا شيءَ مثله ٭٭٭٭٭ وأن سواد الفحم حِمْل بدرهم

وأن رجال الله بيضٌ وجوهُهم ٭٭٭٭٭ ولا شك أنّ السودَ أهلُ جهنم

فضحك الحجاج وأعتقهم جميعا.


 الحجاج و الصائم

كان الحجاج بن يوسف الثقفي ، علي مآبه من صلف وتجبر وحب لسفك الدماء ، جواداً كريماً

لا تخلو موائده كل يوم من الآكلين ، وكان يرسل إلى مستطعميه الرسل ،ولما شق عليه ذلك ،

قــــــال لهم : رسولي إليكم الشمس إذا طلعت ، فاحضروا للفطور، وإذا غربت فاحضروا للعشاء.

وحدث انه خرج يوماً لصيد ، وكان معه أعوانه وحاشيته ، ولما حضرا غداؤه

قــــــال لأصحابه التمسوا من يأكل معنا فتفرقوا كل إلى جهة فلم يجدوا إلا أعرابيا فاتو به

فــقـــال له الحجاج : هلم يا أعرابي فكل

قـــال الأعرابي : لقد دعاني من هو أكرم منك فأجبته

قـــال الحجاج ومن هو ؟؟

قـــال الأعرابي: الله سبحانه وتعالى ، دعاني إلى الصوم فــــــأنا صائم .

قـــال الحجاج : صوم مثل هذا اليوم على حره ؟

قـــال الأعرابي : صمت ليوم هو أحر منه .

قـــال الحجاج فأفطر اليوم وصم غداً

قـــال الأعرابي : أو يضمن لي الأمير أن أعيش غدا

قـــال الحجاج : ليس لي إلى ذلك سبيل .

قــال الأعرابي : فكيف تطلب مني عاجلاً بآجل ليس عليه سبيل ؟

قــال الحجاج انه طعام طيب .

قـــال الأعرابي : والله ما طيبه خبازك ولا طباخك ولكن طيبته العافية

قـــال الحجاج أبعدوه عني.


رجل أفحم الحجاج /صدق الله و كذب الشاعر /جانيك من يجني عليك 

أدخَلوا على الحجاج بن يوسف الثقفي رجلا مُقَيّدا، فقال له الحجاج : ما شأنُكَ يا هذا ؟

فقال الرجل : أصلح الله الأمير، أرعني سمعك، واغضض عني بصرك، واكفف عني سيفك، فإن سمعت خطأ أو زللاً دونك والعقوبة.

قال : قل .

فقال : عصى عاصٍ مِن عُرض العشيرة ؛ فحُلِّقَ على اسمي (أي جُعلت حلقةٌ على اسمه في الدولة، كما نقول الآن وُضع في القائمة السوداء أو وُضعت عليه نقطة)، وهُدِّمَ منزلي، وحُرِمتُ عطائي (عطائي من بيت المال). (مجمل كلامه أنّه أُخذ بذنب غيره)

قال الحجاج : هيهات هيهات، أو ما سمعت قول الشاعر :

جانيك من يجني عليك وقد -- تعدي الصحاحَ مباركُ الجُربِ

(جانيك مَن يجني عليك : أي أن لا يجدر بك أن تقتص إلا مَن تسبب لك بالأذى، تعدي الصحاح مبارك الجرب : هذا استثناء لصدر البيت، ويعني انّ الجمال الجرباء تتسبب بالعدوى للجمال السليمة، فبهذا يمكنك أن تُحاسب بالذنب غير صاحبه)

ولَربَ مأخوذ بذنب عَشيرة -- ونَجا المقارفُ صاحب الذنبِ  ؟


قال الرجل : أصلح الله الامير، ولكني سمعت الله عز وجل يقول غير هذا!

قال : وما ذاك ؟

قال : قال عز وجل "ياأيها العزيزُ إن له أباً شيخاً كبيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مكانهُ إنًا نَراك مِن المُحسنين، قال معاذ اللهِ أنْ نأخُذَ إلا مَن وَجدنا مَتاعَنا عِندهُ إنًا إذاً لظالمون".

فقال الحجاج : عَليَّ بيزيد بن أبي مسلم، فمثل بين يديه.

فقال له : افكُك لهذا عن اسمه، واصكك له بعطاء، وابن له منزله، ومُر منادياً ينادي : صدق الله وكذب الشاعر .


الحجاج و الرجل اليمني 

قال طاوس بن كيسان: دخلت الحرم، فصليت ركعتين عند المقام، قال: فدخل الحجاج بن يوسف الثقفي بحرسه، فوضعوا السلاح حراباً وسيوفاً ورماحاً، قال: فسمعت الجلبة فلما سلمت عرفت أنه الحجاج، فما تزحزحت من مكاني .

قال: فأتى بدوي من أهل اليمن وهو لا يعرف أن الحجاج جالس وأن حرس الحجاج جلوس، ولا أن الحراب والسيوف جاهزة، فأتى يطوف فدخل من عند الحجاج فاشتبك ثوبه بحربة عند الحجاج فوقعت الحربة على الحجاج، فأمسك الحجاج بن يوسف بثوبه

يقول الحسن البصري: أما الحجاج الثقفي فإنه يقرأ القرآن ويلبس لباس الفساق، ويعظ وعظ المتقين، ويبطش بطش الجبارين.

فقال الحجاج لهذا البدوي: من أين أنت؟

قال: من اليمن.

قال: كيف تركتم واليكم على اليمن؟ يقصد أخاه محمد بن يوسف، وكان ظالماً مثله.

قال: تركته بطيناً سميناً، إن قال: تركته متقياً مصلياً الليل فقد كذب، وإن قال: تركته قارئاً للقرآن أو معلماً للسنة فقد كذب، قال: تركته بطيناً سميناً، يعني: يأكل ويسمن ويتبجح في أموال الله.

قال الحجاج: لست أسألك عن صحته، إنما أسألك عن سيرته.

قال: تركته غشوماً ظلوماً.

قال الحجاج: أما تعرف أنه أخي، وأنا الحجاج؟

قال: أتظن أنه يعتز بك أكثر من اعتزازي بالله؟!


قال طاوس: فوالله ما بقيت في رأسي شعرة إلا قامت.


الحجاج و الفتيان الثلاثة 

أمر الحجاج صاحب حرسه أن يطوف بالليل فمن رآه بعد العشاء سكران ضرب عنقه. فطاف ليلة من الليالي فوجد ثلاثة فتيان يتمايلون وعليهم أمارات السكر. فأحاط بهم صاحب الحرس وقال لهم : من أنتم حتى خالفتم الأمير وخرجتم في مثل هذا الوقت. فقال أحدهم:

أنا ابن من دانت الرقاب له ... ما بين مخزومها وهاشمها

تأتيه بالرغم وهي صاغرة ... يأخذ من مالها ومن دمها

فأمسك عنه وقال: لعله من أقارب أمير المؤمنين.

ثم قال للآخر: وأنت من تكون؟. فقال:

أنا ابن من لا تنزل الدهر قدره ... وإن نزلت يوماً فسوف تعود

ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره ... فمنهم قيامٌ حولها وقعود

فأمسك عنه وقال: لعله ابن أشرف العرب.

ثم قال للآخر:وأنت من تكون؟. فأنشد على البديهة:

أنا ابن من خاض الصفوف بعزمه ... وقوّمها بالسيف حتى استقامت

ركاباه لا تنفك رجلاه منهما ... إذا الخيل في يوم الكريهة ولت

فأمسك عن الآخر وقال: لعله ابن أشجع العرب واحتفظ عليهم.

فما كان الصباح رفع أمرهم إلى الحجاج فأحضرهم وكشف عن حالهم. فإذا الأول ابن حجام. والثاني ابن فوّال. والثالث ابن حائك.

فتعجب من فصاحتهم وقال لجلسائه: علموا أولادكم الأدب فوالله لولا فصاحتهم لضربت أعناقهم.


قصة الرجل الذي أنقذ الحجاج

كان الحجاج بن يوسف الثقفي يستحم بالخليج الفارسي فأشرف على الغرق فأنقذه أحد المسلمين

و عندما حمله إلى البر قال له الحجاج : أطلب ما تشاء فطلبك مجاب

فقال الرجل: ومن أنت حتى تجيب لي أي طلب ؟

قال: أنا الحجاج الثقفي

قال له : طلبي الوحيد أنني سألتك بالله أن لا تخبر أحداً أنني أنقذتك


 الحجاج و مجنون بني عجل

حُكِي أن الحجاج خرج يوما متنزها، فلما فرغ من نزهته صرف عنه أصحابه وانفرد بنفسه، فإذا هو بشيخ من بني عجل،

فقال له: من أين أيها الشيخ

قال: من هذه القرية.

قال: كيف ترون عمالكم

قال: شر عمال؛ يظلمون الناس، ويستحلون أموالهم.

قال: فكيف قولك في الحجاج

قال: ذاك، ما ولى العراق شر منه، قبحه الله، وقبح من استعمله

قال: أتعرف من أنا

قال: لا. قال: أنا الحجاج

قال: جُعلت فداك

أو تعرف من أنا؟

قال: لا.

قال: فلان بن فلان، مجنون بني عجل، أصرع في كل يوم مرتين.

قال: فضحك الحجاج منه، وأمر له بصِلة. 


الحجاج و سعيد بن المسيب 

قيل أن   الحجاج صلى مرة بجانب سعيد بن المسيب قبل أن يكون الحجاج ذا منصب وسلطة فجعل يرفع قبل الإمام ويقع قبله في السجود. فلما سلم أخذ سعيد بطرف ردائه –وكان له ذكر بعد الصلاة _ ، فما زال الحجاج ينازعه بردائه، حتى قضى سعيد ذكره. ثم أقبل عليه سعيد فقال له: «يا سارق، يا خائن. تصلي هذه الصلاة؟ فوالله لقد هممت أن أضرب بهذا النعل وجهك». فلم يرد عليه. ثم مضى الحجاج إلى الحج، فعاد إلى الشام. ثم جاء نائباً على الحجاز. فلما قتل ابن الزبير، كر راجعاً إلى المدينة نائباً عليها. فلما دخل المسجد، إذا مجلس سعيد بن المسيب. فقصده الحجاج، فخشي الناس على سعيد منه. فجاء حتى جلس بين يديه، فقال له: «أنت صاحب الكلمات؟». فضرب سعيد صدره بيده وقال: «نعم». قال: «فجزاك الله من معلم ومؤدب خيراً. وما صليت بعدك صلاة إلا وأنا أذكر قولك». ثم قام ومضى.  


الحجاج و المرأة و الفئران /الحجاج و المرأة الفقيرة 

جاءت امرأة الى الحجاج تشكو إليه فقرها وتطلب منه أن يساعدها بقليل من المال حتى تستطيع أن تنفق على نفسها وأبنائها.


غير أن مجلس الحجاج كان مليئا بالناس فاستحيت المرأة أن تقدم طلبها مباشرة لما سيسبب لها حرجا كبيرا.

فلما طلب منها الحجاج أن تفصح عما تريد، قالت بذهاء كبير :

اشكو اليك قلة الفئران في بيتي :

اشكو قلة الفئران في بيتي !!! 

استغرب كل من في المجلس من هذه الشكوى ، واعتبروها سخيفة  وهناك من سخر منها ، ودعاها إلى شكر الله على هذه النعمة.


وهناك من رأى أن ما قالته المرأة هو قلة احترام وأدب في مجلس الحجاج، وهو الذي عُرف عليه سفك الدماء لأتفه الأشياء.

لكن الحجاج كان أكثر ذهاءََ وفطنة وهي من الأشياء التي يعرف بها أيضا.


فأمر بأن يخصص لها من بيت مال المسلمين مالا، وطعاما، وكساء. 


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع