ما هي قصة حي الشيخ جراح؟ وما سبب اندلاع المواجهات الحالية في مدينة القدس الفلسطينية؟
القصة ليست وليدة شهر أو شهرين، بل القضية تعود الى عام النكبة عام ١٩٤٨.
حي الشيخ جراح هو حي في شمال البلدة القديمة في القدس، سمي ( كما يُقال) على اسم طبيب صلاح الدين الأيوبي حسام الدين الجراحي، ويعتبر هذا الحي من المناطق الأساسية في المدينة لإطلالته على مداخل مهمة لها.
في حرب عام ١٩٤٨ هُجر العديد من العائلات الفلسطينية إما في الداخل الفلسطيني أو إلى الدول المجاورة، واستقبل هذا الحي وقتها ٢٨ عائلة من المهجرين من القرى المجاورة لمدينة القدس، وللتذكير عزيزي القارئ فإن عملية التهجير ليست عملية اختيارية كما تدعي بعض وسائل الإعلام، فالعائلات التي هجرت على مدار أعوام من الحروب كان أمامها إما القتل والتعذيب أو الرحيل تاركين وراءهم تاريخا وذكريات وحاملين معهم أملا بسيطة بالعودة في أحد الأيام.
في عام ١٩٥٦ اتفق الأردن مع وكالة الغوث على تأمين مساكن للعائلات في الحي، حيث تبرع الأردن بالأرض وتكفلت وكالة الغوث بتكاليف بناء المساكن، على أن تنتقل الملكية إلى العائلات بعد ثلاث سنوات من التسكين فيها، ما شأن الأردن بالأرض؟ لأن الضفتين الغربية والشرقية لنهر الأردن كانتا تحت حكم الأردن في تلك الفترة فيما سمي بوحدة الضفتين.
نكسة ٦٧ و القضية الفلسطينية
أتت حرب ٦٧، النكسة أو الفضيحة، وحالت الحرب دون اكمال بناء المساكن وتنفيذ الاتفاقية الأردنية مع وكالة الغوث لتمليك العقارات للعائلات، ناهيك عن سيطرة الكيان المغتصب على مدينة القدس والضفة الغربية، وأجزاء من الدول الرئيسية المشاركة في الحرب، أي لم تعد القدس الشرقية تحت حكم الأردن.
في عام ١٩٧٢ بدأت حملة استيطانية شرسة بالتعاون بين العصابات الصهيونية وجيش الاحتلال والمستوطنين لطرد العديد من العائلات في مختلف الأحياء الفلسطينية التي سقطت بعد حرب ٦٧ ومن ضمنها حي الشيخ جراح لكن حرب عام ١٩٧٣ أجبرت الاحتلال على التركيز على الجبهات وتأجيل عملية الاستيطان إلى وقت آخر.
لاحقا تم تشكيل جمعيات استيطانية مهمتها الدفاع عن حقوق المستوطنين، وعندما تدافع عن حق مستوطن في أرض فلسطين فأنت ومن كل بد ستسلب حق فلسطيني بالمقابل، قامت هذه الجمعيات بتزوير وثائق تؤكد أن أرض هذا الحي هو ملك لهم، وقاموا برفع دعوى قضائية يطالبون بها بطرد سكان حي الشيخ جراح.
وبدعم من أولاد عمها حكمت محكمة الاحتلال لصالح هذه الجمعيات، وأمرت قاطني الحي بدفع إيجار بدل السكن للجمعيات الاستيطانية، لم يتوقف سكان هذا الحي بمقاومة هذا القرار والدفاع عن حقوقهم فهم أيضا يملكون وثائق تثبت أحقيتهم بهذه المنازل، واستمر النزاع بينهم إلى هذه الأيام.
لماذا تأخر طرد هذه العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح إلى وقتنا هذا؟
لأن الاحتلال كان يحاول تلميع صورته أمام العالم بأنه دولة سلام ودولة قانون، وحاول ويحاول جاهدا تلميع هذه الصورة عبر قنوات الإعلام المختلف ومن بينهم نشطاء عرب وفلسطينيين (الأمر غير محزن أبدا فالخيانة موجودة منذ الخليقة، وأشباه الرجال موجودون في كل زمان ومكان)، لكن ومهما تظاهر الذئب بأنه حمل وديع لا بد أن يأتي يوم ويكشر عن أنيابه، وها هو يكشر الآن عن أنيابه في حملة واسعة قد تطال ما هو أبعد من مدينة القدس.
لم تعد قضية فلسطين هي القضية الوحيدة في المنطقة بل أصبحت كل دولة عربية هي قضية كبيرة بحد ذاتها، كلنا نعاني وكلنا نُسرق علانية وما باليد من حيلة، لكن تبقى فلسطين قضية شرف ورجولة أجمع عليها جميع الشرفاء الجرحى السوري واليمني والليبي والعراقي وغيرهم، وتجاوز الأمر التضامن العربي وشمل بلادا أجنبية مقهورة تحارب هي الأخرى في قضية لها، ومن يعلم قد يتطور الأمر ويصبح حي الشيخ جراح ثورة جديدة، أو أن يكون قصة مكررة لفلسطين التي تعرضت للتهجير لكن بعرض مصغر في حي صغير هذه المرة.
تطورات أحداث حي الشيخ جراح
أغلقت أمس قوات الاحتلال مَدَاخل ومَخَارج "حيّ الشيخ جراح" ومَنَعت وُصُول أي مُتضامن للحيّ، تسهيلًا لعملية إخلاء الحيّ وتهجير أهله.
ولمَنْ لا يعرف " الشيخ جراح" حيّ بقلب القُدس، وإذا سُلِّب القلب فماذا يبقى؟
العد التنازلي لنزع الأقصى ؟
أهالي الحي سيحملون مفاتيح بيوتهم في أعناقهم كما حملوها أجدادهم من قبل على أمل العودة وإلى الآن لم يعودوا..
بقى يومٌ واحدٌ على المُهلة، يوم وتُمحى الهوية العربية في قلب القُدس، يوم ويُصبح الحيّ يهودي تابع لدولة إسرائيل الوَهمية وتبدأ سلسلة انتزاع باقي الأحياء..وغدًا نشاهد القدس كلها "مستوطنة صهيونية".. يومٌ وتُسلب القدس من الحقيقة كما سُلِبَت من الخريطة ..
وتُصبح العناوين صهيونية ؟
والبيوت وحدائق البيوت وأغصان الزيتون والبرتقال صهيونية !..
لم نَشهد التهجير الأول في ١٩٤٨، ومازلنا نرثيه إلى الآن.
و الآن نشهد تغريبة فلسطينية ثانيةً ولا ندري كيف نبكيها.
بيان كتائب القسام
الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة قال في بيان القسام أن قيادة المقاومة في الغرفة المشتركة تمنح الاحتلال مهلةً حتى الساعة السادسة من مساء اليوم لسحب جنوده ومغتصبيه من المسجد الأقصى المبارك وحي الشيخ جراح، والإفراج عن كافة المعتقلين خلال هبة القدس الأخيرة، وإلا فقد أعذر من أنذر
موقف الدول العربية من حي الشيخ جراح
تسابقت الدول العربية لشجب واستنكار ما يقوم به الكيان الصهيوني في القدس المحتلة، سباق معيب بكلمات لا ترتقي لمستوى الفعل الحقيقي لدول تملك الجيوش والسياسة القوية والناعمة لكنها لم تحركها، سباق بلا قيمة كون الكلمات لا تصل لآذان العالم ولا تُحدث أي تغير على أرض الواقع.
فالدول العربية وبدلاً من الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني في محنته التي هي محنة المسلمين جميعاً، بل هو من ينوب عنهم في صراع الدين والإسلام، قررت الدول أن ترسل رسائل التطمين للصهاينة بأنهم لن يدعموا الفلسطينين، وأن أقصى ما سيقدموه لسكان حي الجراح وللأقصى الشريف مجرد كلمات لا تُسمن ولا تُغني من جوع على شكل إستنكار هنا وشجب هناك في العلن، فيما الرسائل في السر بأننا لن نقترب من الإتفاقات التي تمنح الصهيوني التفوق على الفلسطينين، كونها إتفاقات تمنح الكيان حرية البقاء والسلطة المطلقة ولا تعترف بالسلطة الفلسطينية كشريك حقيقي مع غالبية الدول العربية، والتي تمنح علاقتها مع الصهاينة أولوية قصوى حتى لو تعارض هذا الوجود مع رغبة الشعوب.
و تذكرنا المواقف الهشة للحكومات العربية بالإعرابي الذي خرج عليه قطاع الطرق ونهبوا إبله، وحين عاد لقومه قال لهم:" أشبعتهم شتماً وفازوا بالإبل"، ولا نريد أن يتكرر الحال بأن تشتم الحكومات الكيان موفرة له الغطاء حتى يظفر بالقدس وأقصاها وحي الشيخ جراح، وهذا أمر لن يحدث ليس بسبب قوة المواقف العربية الكلامية الهلامية، بل بسبب صلابة أهل فلسطين عامة وأهل القدس خاصة في الذود عن المدينة المقدسة رافعين شعار " على القدس رايحين شهداء بالملايين"، لنجد أن موقف مُرابط في القدس يعادل جميع تصريحات السياسيين العرب والتي لا تعادل قيمة الورق الذي طُبعت عليه ولا تستحق الوقت الضائع في إلقائها، لذا فالحجر المقدس يعادل مليون خطاب سياسي، وشاب يحرس الأقصى بقوة جيوش ضلت الطريق وتقصف الاشقاء العرب.
و مما ثبُت ان السياسة الناعمة التي يعتقد البعض أنها حل سليم لقضية القدس ما هي إلا كابوس فلسطيني مرعب، كون الصهاينة خبراء في مجال السياسة الناعمة ويحظون بدعم عالمي غير مسبوق، ولن تتراجع أوروبا والولايات المتحدة عن مواقفهم في صناعة التفوق الصهيوني في المنطقة، لذا فإن الحل الوحيد هو القوة الحقيقية من قطع العلاقات مع الصهيوني ومن يدعمه وبالتحضير العسكري وبالدعم المطلق للفلسطينين، وعندها ستتغير حسابات اللعبة السياسية العالمية وسنشهد التفوق العربي في العديد من المجالات، ولن نجد إعتداء صهيوني على القدس من جديد ولا تنمر على دول الجوار، لكن هذا حلم بعيد المنال كونه يتعارض مع سياسة البقاء على سدة الحكم، لذا ستبقى الخُطب العربية هى السلاح الوحيد والشجب والإستنكار هما الصواريخ التي نقصف بها تل الربيع المحتلة لتكون في أمان فيما القدس تبقى في خطر.
تعليقات
إرسال تعليق