مفهوم حسن الظن بالله
إن حسن الظن بالله عبادة قلبية جليلة لا يتم إيمان العبد إلا به لأنه من صميم التوحيد وواجباته ، حسن الظن بالله هو ظنّ ما يليق بالله تعالى واعتقاد ما يحق بجلاله وما تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العليا مما يؤثر في حياة المؤمن على الوجه الذي يرضي الله تعالى ، و من حسن الظن بالله تعالى أن يظن العبد أن الله تعالى راحمه وفارج همه وكاشف غمه وذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله وعفوه وما وعد به أهل التوحيد، إنه مسلك دقيق ومنهج وسط بين نقيضين لا يسلكه إلا من وفقه الله وجعل قلبه خالصاً له سبحانه ، لذلك ينبغي أن يكون سمة لازمة يتجلى في حياة المؤمن وعند احتضاره وقرب موته .
يقول الله تعالى على لسان نبيه "أنا عند ظن عبدي بي "
وعموما فحسن الظن بالله عز وجل ظن ما يليق بالله سبحانه وتعالى من ظن الإجابة والقبول والمغفرة والمجازاة وإنفاذ الوعد وكل ما تقتضيه أسماؤه وصفاته جل وعلا .
و في مقالنا اليوم نحكي عن قصة من نوادر الخليفة هارون الرشيد الذي عُرف بفصاحته و بلاغته و تُظهر القصة قيمة جليلة و هي حسن التوكل و حسن الظن بالله و كيف كانت سببًا في نجاة الرجل بعدما أوقع به بوشاية كذب.
و قبل أن نروي القصة إليكم نبذه عن هارون الرشيد
نبذة عن هارون الرشيد نشأته و زوجاته و ابناءه و صفاته
هو هارون بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو جعفر (149هـ - 193هـ)، نشأ في بغداد في كنف أمه الخيزران بنت عطاء ، تولى غزو الروم في القسطنطينيَّة في عهد أبيه، عاش في العصر العباسيِّ الأوَّل وهو خامس خلفاء الدَّولة العباسيَّة في العراق، وأشهر الخلفاء العباسيين، بُويع بالخلافة في الثانية والعشرين من عمره بعد وفاة أخيه الهادي
ولد الرشيد في مدينة الري، و تولى الرشيد في عهد أبيه قتال الروم وهو ابن عشرين عام وقد كانت تحكم الروم في تلك الفترة الملكة أيرين الملقبة بأغسطة زوجة أليون، وكانت وصيَّة لابنها قسطنطين على عرش روما، وبعد أن رأت القتل والبطش قد اشتدَّ بالرُّوم صالحت الرَّشيد على أن تدفع له سبعين ألف دينار كلَّ سنة، فقبل الرشيد وهادنها مدة ثلاث سنوات، فلما علم المهدي والد هارون الرشيد بنصر ابنه فرح لذلك فرحًا شديدًا وأطلق عليه لقب الرشيد وجعله ولي العهد.
الصفات الجسدية لهارون الرشيد
كان هارون الرشيد يتمتع بصفات جسدية حسنة لم تخلُ من هيبةٍ وحسنٍ ووقار، فقد كان أبيض طويلًا جسيمًا مسمنًا جميلاً جعدًا وسيمًا، خطه الشيب في آخر أيامه، وقد عرف هارون الرشيد بعلمه بالأدب وأخبار العرب والفقه والحديث، وكان فصيحًا محبًا للشعر والشعراء والأدب ويعظم في صدره الأدب والأدباء، وكان ينظم الشعر، ويحب المديح ويصغي إليه ويجزل في عطائه عليه خاصّة إن كان ذلك المديح من شاعر مجيد فصيحٍ.قد اتّصف بالكرم حتى لم يُر خليفة أجود منه قطّ، وقيل: إنه كان يتصدق بمائة ألف درهم من صلب ماله في كل يوم، وقد كان في ذلك يتخلق بأخلاق المنصور ويقتفيها إلا في الكرم والعطاء فإنه فاق المنصور في كرمه، وكان حازمًا متواضعًا وشجاعًا مقدامًا، فقد كانَ كثير الغزوات حتى إنه قيل كان يغزو سنة ويحج سنة، وكان يلقب بجبار بني العباس. ممّا عُرِفَ به الرَّشيد أيضًا تقاه وورعه وحبه للفقه والفقهاء، وكرهه للمراء والجدال في الدين، حيث ذُكر من أقواله في ذلك: إنه لخليق ألّا ينتج خيرًا، وقد كان نقش خاتمه لا إله إلا الله، وورد عن بعض أصحابه أنه كان في كل يوم يصلي مائة ركعةٍ إلا أن يمنعه مانع من ذلك إلى أن توفاه الله، وأنه كان يحج معه في كل سنة إذا خرج حاجًّا مائة من الفقهاء وأبنائهم، وكان في السنة التي لا يحج فيها يُحِجُّ ثلاثمئة رجل بالكسوة الظاهرة والنفقة السابغة.
عدد زوجات هارون الرشيد
وردت العديد من الروايات عن زوجات هارون الرشيد وجواريه، وقد أُورِد أشهرها هنا، ومنها:زواجه من ابنة عمه زبيدة بنت جعفر بن المنصور . و زواجه من أمة العزيز أم ولد موسى. وزواجه من أم محمد ابنة صالح المسكين. و زواجه من عزيزة ابنة الغطريف وهي ابنة خاله أخي أمه الخيزران، وكانت قبله عند سليمان بن أبي جعفر، فطلقها فخلف عليها الرشيد. زواجه من ابنة عمه العباسة بنت سليمان بن أبي جعفر. زواجه من الجرشية العثمانية وهي ابنة عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، ويعود سبب تسميتها بالجرشية إلى ولادتها بجرش باليمن. يُقال: إنه كان لهارون الرشيد أربعة آلافٍ من الجواري السراري الحسان في داره، وقد مات الرشيد عن أربع زوجاتٍ، وهنَّ: أم جعفر، وأم محمد ابنة صالح، والعباسة، والعثمانية.
أبناء هارون الرشيد
كان لهارون الرشيد من الأولاد الذكور عشرة أولادٍ ذكور، وهم: محمد الأمين ابن زبيدة. محمد أبو إسحاق المعتصم وأمه ماردة وكانت أم ولد. عبد الله المأمون وكانت أمه جارية تدعى مراجل. القاسم المؤتمن وكانت أمه جارية تسمى قصف. صالح من جارية اسمها رئم. علي أمُّه أمة العزيز. محمد أبو يعقوب. محمد أبو العباس. محمد أبو علي. محمد أبو عيسى، وكل هؤلاء من أمهات أولاد. وكان لهارون الرشيد من الأولاد الإناث اثنتا عشرة بنتًا، وهنَّ: ابنته سكينة وهي من قصف. فاطمة وكانت أمها تدعى غصص. أم حبيب وأمها ماردة. أم محمد وهي حمدونة. وأروى. وأم سلمة. وأم الحسن. وخديجة. وأم القاسم رملة. وأم الغالية. وريطة. وأم علي، وهن كلهن من أمهات الأولاد
أقرأ في هذا الموضوع عن نوادر و طرائف العرب
أقرأ أجمل قصة عن حسن الظن بالله
قصة هارون الرشيد و حسن الظن بالله
يحكى أنا هارون عرف أن رجلًا من بني أمية عظيم الجاه و المال كثير الخيل و الجند فخشى على ملكه منه و كان وقتئذًا الرشيد بالكوفة فأرسل إلى خادمه منارة و قال له "يا منارة اذهب إلى دمشق الساعة و أئتني بفلان يقصد الأموي و قد أمهلتك لذهابك ستًا و لمجيئك ستًا و لإقامتك يومًا"
يقول منارة "ف انطلقت لا أنزل من على رحلي إلا للصلاة او لقضاء حاجة حتى وصلت لباب دمشق فلما فُتح توجهت صوب بيت الرجل فوجدها دار عظيمه هائله نعمها طائلة و خدم و حشم و هيبة ظاهرة و مصاطب متسعة و غلمان فيها جلوس، فهجمت على الدار بدون إذن فبهتوا و سألو عني فقيل هذا رسول أمير المؤمنين، فاستقبلوني و اكرموني و لما سألت عن الرجل قيل إنه في الحمام ثم أقبل الرجل في جماعة من كهول و شباب و غلمان فسلم على و سألني عن أمير المؤمنين ف أخبرته أنه بعافية فحمد الله تعالى ثم أُحضرت له أطباق فاكهة" فقال:" أقبل و كُل يا منارة "فقلت" لا حاجة لي "
يقول منارة :" فلم يعاودني و رأيت ما لم أره إلا في دار الخلافة ثم قُدم إليه الطعام فوالله ما رأيت أحسن ترتيبًا و لا أعطر رائحة و لا أكثر آنية منه " فقال :" تقدم يا منارة كُل معنا "يقول منارة :" فأبيت فلم يُعاودني فلما غسل يديه أحضر له البخور فتبخر ثم قام فصلى الظهر فأتم الركوع و السجود فلما فرغ استقبلني و قال :"مت أقدمك يا منارة"
يقول منارة :"فناولته كتاب أمير المؤمنين فقبله و وضعه على رأسه ثم فضه و قرأه فلما أنتهى استدعى جميع بنيه و اهله و أصحابه و غلمانه فضاقت الدار على سعتها فطار عقلي و شككت أن يقبض علي فإذا به يوصيهم ثم اقدم علي و قدم رجليه و قال :" هات قيودك يا منارة"
يقول منارة :" فدعوت الحداد فقيده و حُمل و وضع على نفس المحمل الذي ركبته و سرنا، و وجدته يتباسط معي في الحديث فيقول :" هذه الضيعة لي و تعملي لي بكذا و كذا في السنة و هذه البساتين لي و فيها من غريب الأشجار و أطيب الثمار و هذه المزارع لي"
يقول منارة :"فتعجبت من أمره و قلت له يا هذا ألا تعلم إن أمير المؤمنين قد أهمه أمرك و ارسلني خلفك و هو بالكوفة ينتظرم و انت ذاهب إليه لا تعلم ما يفعل بك و انت تحدثني بحديث لا فائدة منه و أولى بك أن تنشغل بأمرك "
فقال الرجل :" إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد أخطأت فراستي فيك يا منارة و كنت اظنك قد بلغت ما بلغت عند أمير المؤمنين لرجاحة عقلك فإذا أنت جاهل عامي لا تصلح لمخاطبة الخلفاء، اما عن خروجي على ما ذكرت فإني على ثقة من ربي الذي بيده ناصيتي و ناصية أمير المؤمنين و هو لن يضرني أو ينفعني إلا بمشيئة الله، و انا لم أفعل ذنب أخاف منه و ما هي إلا وشاية واش عند أمير المؤمنين ببهتان و أنا اعرف أن أمير المؤمنين عاقل فإذا اطلع على براءتي لن يستحل مضرتي "
يقول منارة :" ثم أعرض عني و اقبل علي التلاوة و لم يحدثني حتى بلغنا الكوفة"
يُكمل منارة و يقول :" فلما دخلت على أمير المؤمنين قبلت الأرض فقال :"هات خبرك ي منارة من يوم خرجت من عندي إلى يوم رجعت"
قال منارة :"ف شرعت اروي له عمل رأيت من الخير و النعيم و الاهل و الأبناء و الحفدة و أمير المؤمنين علي وجهه الغضب حتى قلت انه أقبل فقدم رجله لأقيدها فاستبشر أمير المؤمنين ف أخبرته عما قاله عن ضيعاته و بساتينه و مزارعه و ما قلته له و قاله لي و هنا فطن أمير المؤمنين أن الرجل محسود على نعمته و انه مكذوب عليه "
يقول منارة :" فأرمرني أمير المؤمنين أن افك قيود الرجل و أُدخله عليه مكرم فلما دخل عليه الرجل قبل الأرض فسلم عليه الرشيد و قال سل حاجتك فقال الرجل سرعة العودة لبلدي و جمع شملي بأهلى و ولدي فقال الرشيد هو كائن فسل غيره فقال الرجل عدل أمير المؤمنين في عماله اغناني عن سؤاله"
يقول منارة :" و هنا أمرني الرشيد ان اعود بالرجل إلى حيث أخذته "
و هنا انتهت القصة التي تظهر قيمه حسن الظن بالله و التوكل عليه فبسبب حسن ظن الرجل الاموي و توكله على الله عاد سالمًا لم يصيبه سوءًا
تعليقات
إرسال تعليق